فمنع من هذه الوظائف لما تشتمل عليه من ظلم وعدوان ومباشرة للحرام، وامتناع السلف من تولي القضاء وغيره من الولايات للظلمة كثير مشهود مذكور في فضائلهم، فشرعُنا ينهى عن الإعانة على الظلم فضلًا عن مباشرة شيء من ذلك (١).
[الوجه السادس: أن الشريعة التي بعث بها محمد - صلى الله عليه وسلم - عامة باقية للأحمر والأسود.]
والكفار مخاطبون بفروعها - الشريعة المحمدية - على الصحيح من أقوال العلماء، فلا يسع أحدًا الخروج على شيء منها، وهى شريعة شاملة لكل الأمور والمسائل، لا يوجد أمر في دين أو دنيا ويخرج عن حكم من أحكامها، بخلاف ما سبقها شرائع الأنبياء السابقين، فقد كان يسع البعض الذين لم يرسل إليهم النبي أن يخرج عليها، ولم تكن شرائعهم شاملة لكل الأحكام، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى:{كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ}، فليس هناك ما يدل على أن يوسف كان ملزمًا أن يحكم في أهل مصر بشريعة يعقوب - عليه السلام - أو غيرها، وليس هناك ما يدل على أن عمل يوسف - عليه السلام - على خزائن الأرض يتضمن مخالفة لشريعة يعقوب - عليه السلام -، وليس هناك ما يدل على أن أهل مصر في ذلك الوقت كانوا مكلفين بفروع شريعة إلهية زيادة على ما أُمروا به من توحيد الله وعبادته، والله أعلم.
ولهذه الوجوه نرى عدم صحة الاستدلال بقصة يوسف - عليه السلام - على هذه المسألة أصلًا، ومثلها في عدم صحة الاستدلال قضية النجاشي، وأنه بقي في ملكه على مملكة الحبشة بعد إسلامه مع بقائهم على دينهم وشريعتهم؛ وذلك لأنه ليس هناك ما يدل على بلوغ تفاصيل الشريعة للنجاشي خلال مدة حكمه، فمعلوم أن هجرة المسلمين إلى الحبشة كانت قبل هجرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، وأن الأحكام التفصيلية إنما نزلت في المدينة بعد الهجرة، ولم يبلغ المسلمين في الحبشة ظهور النبي - صلى الله عليه وسلم - فضلًا عن تفاصيل الشرائع إلا في السنة السابعة من الهجرة حين قدم جعفر ومن معه - رضي الله عنه - على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد فتح خيبر، وأولى أن لا