للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الحكمة الأزلية أن لا ينتقم الله من عبده العاصي آدم الذي ظلمه واستهان بقدره، لم يرد الله الانتقام منه لاعتلاء منزلة السيد وسقوط منزلة العبد فأراد الله أن ينتصف من الإنسان الذي هو إله مثله فصُلب ابن الله الذي هو الله -عَزَّ وَجَلَّ- الذي هو الله في تمام الساعة التاسعة من يوم الجمعة صلبه اليهود الملاعين (١).

ومن رحمته بعباده جسد كلمته وهو ابنه الأزلي تجسدًا ظاهرًا، ورضي بموته على الصليب وهو غير مستحق لذلك لكي يكون ذلك فداءً عن الخطية الأولى، ولم يكن في استطاعة أحد أن يقوم بهذا الفداء سوى ابن الله وابن الإنسان منا، وكان ذلك الابن وهذا الفداء هو المسيح عيسى ولد مريم العذراء أرسل الله إليها ملاكه جبريل وبشرها بأن المسيح مخلِّص الدنيا يولد منها، وأن الروح القدس يحل فيها، فتلد الكلمة الأزلية وتصير والدة الإله.

فلهذا كان المسيح هو الذي يكفر عن خطايا العالم، وهو الوسيط الذي وفق بين محبة الله وبين عدله ورحمته، إذ إن مقتضى العدالة أن الناس كانوا يستمرون في الابتعاد عن الله بسبب ما اقترف أبوهم، ولكن باقتران العدل والرحمة وبتوسيط الابن الوحيد وقبوله للتكفير عن خطايا الخلق قرب الناس من الرب بعد الابتعاد وقد كان التكفير الذي قام به المسيح هو الصلب. (٢)

وجواب ذلك من وجوه

[الوجه الأول: أبأكلة من شجرة يغضب الرب، ويحكم بالموت الأبدي على آدم وذريته؟]

فالنصارى يعتقدون أن سبب خطيئة آدم - عَلَيْهِ السَّلَام - أبي البشر أكلة من الشجرة التي نهاه الله عنها في الجَنَّة، وعلى هذا الأساس قامت نظرية (عقيدة) الصلب والفداء والتي تعني صلب المسيح - عَلَيْهِ السَّلَام - (ابن الله كما يعتقدون) نيابةً عن الجنس البشري وفداءً لهم وهذا ما يعبِّر عنه النصارى بالخلاص (٣).

الوجه الثاني: كل هذا التصوير الظالم لحال آدم لكي يصبح لصلب المسيح مبررًا.

وكل هذا التصوير الظالم لحال آدم وذريته اللعنة المؤبدة الموروثة لماذا؟ لكي يصبح فداء


(١) بين الإسلام والمسيحية لأبي عبيدة الخزرجي (٧٧)، وانظر: تخجيل من حرف التوراة والإنجيل ١/ ٣٨٠.
(٢) محاضرات في النصرانية (١٠٧).
(٣) الميزان في مقارنة الأديان (١٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>