للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي قوله: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (٣٠)} (الأنبياء: ٣٠).

كما أن كلمة (يرى) أيضًا تستوعب هذه المعاني ولا تتعارض مع أحدها (فالرؤيةُ هنا يجوز أن تكونَ قلبيةً، وأن تكونَ بَصَريةً؛ فـ (أنَّ) وما في حَيِّزها سادَّةٌ مَسَدَّ مفعولَيْنِ عند الجمهور على الأول، ومَسَدَّ واحدٍ والثاني محذوف عند الأخفش، وسادَّةٌ مسدَّ واحدٍ فقط على الثاني (١).

ومما يوضح الفرق بين التعريف والتنكير لكلمة (ماء): ما ذكره ابن عاشور عند تفسيره لقول اللَّه تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ} (النور: ٤٥) قال: وتنكير (ماء) لإرادة النوعية تنبيهًا على اختلاف صفات الماء لكل نوع من الدواب إذ المقصود تنبيه الناس إلى اختلاف النطف للزيادة في الاعتبار.

وهذا بخلاف قوله: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} (الأنبياء: ٣٠) إذ قُصد ثمة إلى أن أجناس الحيوان كلها مخلوقة من جنس الماء وهو جنس واحد اختلفت أنواعه، فتعريف الجنس هناك إشارة إلى ما يعرفه الناس إجمالًا ويعهدونه من أن الحيوان كله مخلوق من نطف أصوله، وهذا مناط الفرق بين التنكير كما هنا وبين تعريف الجنس كما في آية: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} (الأنبياء: ٣٠) (٢).

[الوجه الخامس: النظرة العلمية، وبيان عدم تعارض الآية مع الاكتشافات العلمية الحديثة.]

تُقَرِّرُ هذه الآيةُ حقيقةً علمية ثابتة، وهي أن الماء هو المكوِّن الهام في تركيب مادة الخلية، وهي وَحْدة البناء في كل كائن حيّ، ولقد أثبت علم الكيمياء الحيوية أن الماء لازم لحدوث التفاعلات والتحولات التي تتم داخل أجسام الأحياء.

وأثبت علم وظائف الأعضاء أن الماء ضروري لقيام كل عضو بوظائفه التي بدونها لا


(١) الدر المصون في علم الكتاب المكنون (٨/ ١٤٦).
(٢) التحرير والتنوير (١٨/ ٢٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>