للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}: يستفاد منه وجوب الإحداد على المتوفى عنها زوجها مدة عدتها. وذهب مجاهد وعطاء إلى أن هذه الآية لم تدل على وجوب الاعتداد سنة - كما زعمه الجمهور - حتى يكون ذلك منسوخًا بالأربعة أشهر وعشرًا، وإنما دلت على أن ذلك كان من باب الوصاية بالزوجات أن يُمَكَّنَّ من السكنى في بيوت أزواجهن بعد وفاتهم حولًا كاملًا إن اخْترْنَ ذلك، ولهذا قال {وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ} أي يوصيكم الله بهن وصية، كقوله {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ}، ولا يمنعن من ذلك لقوله {غَيْرَ إِخْرَاجٍ}، فأما إذا انقضت عدتهن بالأربعة أشهر والعشر أو بوضع الحمل، واخترن الخروج والانتقال من ذلك بالمنزل، فإنهن لا يمنعن من ذلك، لقوله: {فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ}، وهذا القول له اتجاه وفي اللفظ مساعدة له، وقد اختاره جماعة منهم: الإمام أبو العباس ابن تيمية، وردَّه آخرون منهم ابن عبد البر. (١)

[الحادي عشر: تعدد القراءات في الآية]

تعرف القراءات بأنها: علم يعرف به كيفية النطق بالكلمات القرآنية، وطريق أدائها اتفاقًا مع عزو كل وجه لناقله. (٢)

- واختلاف القراءات لا يخلو من ثلاثة أحوال:

أحدها: اختلاف اللفظ والمعنى واحد. والثاني: اختلاف اللفظ والمعنى جميعًا، مع جواز أن يجتمعا في شيء واحد، لعدم تضاد اجتماعهما فيه. والثالث: اختلاف اللفظ والمعنى مع امتناع جواز أن يجتمعا في شيء واحد؛ لاستحالة اجتماعهما فيه. (٣)

والذي يعنينا هنا في هذا الباب الأمر الثالث فهو مثار الإشكال عند بعض المفسرين، ومن الأمثلة على ذلك ما ورد من القراءات في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا


(١) تفسير ابن كثير (٢/ ٤٠٩ - ٤١١).
(٢) البدور الزاهرة في القراءات العشرة المتواترة (٥).
(٣) الأحرف السبعة لأبي عمرو الداني (٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>