للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الجصاص: هذه المتعة هي التي حرمها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في سائر الأخبار التي ذكرنا ولم ننكر نحن أنها قد كانت أبيحت في وقت ثم حرمت وليس في حديث ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- ذكر التاريخ فأخبار الحظر قاضية عليها؛ لأن فيها ذكر الحظر بعد الإباحة وأيضًا لو تساويا لكان الحظر أولى (١).

الوجه الرابع: الحكمة من قراءة (عبد اللَّه) لهذه الآية.

قال ابن القيم: يحتمل أن يكون أراد آخر هذه الآية وهو الرد على من أباحها مطلقًا وأنه معتد؛ فإن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إنما رخص فيها للضرورة وعند الحاجة في الغزو وعند عدم النساء وشدة الحاجة إلى المرأة فمن رخص فيها في الحضر مع كثرة النساء وإمكان النكاح المعتاد فقد اعتدى واللَّه لا يحب المعتدين. (٢)

كل هذا على فرض أنه لم يُنسخ، فكيف إذا نُسخ؟ .

قال الجصاص: فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ النَّهْيَ عَنْ الِاسْتِخْصَاءِ وَتَحْرِيمَ النِّكَاحِ الْمُبَاحِ، وَيَحْتَمِلُ الْمُتْعَةَ فِي حَالِ مَا كَانَتْ مُبَاحَةً.

فَلَوْ كَانَتْ الْإِبَاحَةُ بَاقِيَةً لَوَرَدَ النَّقْلُ بِهَا مُسْتَفِيضًا مُتَوَاتِرًا لِعُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَلَعَرَفَتْهَا الْكَافَّةُ كَمَا عَرَفَتْهَا بَدِيًّا، وَلمَا اجْتَمَعَتْ الصَّحَابَةُ عَلَى تَحْرِيمِهَا لَوْ كَانَتْ الْإِبَاحَةُ بَاقِيَةً، فَلَمَّا وَجَدْنَا الصَّحَابَةَ مُنْكَرِينَ لِإِبَاحَتِهَا مُوجِبِينَ لَحَظْرِهَا مَعَ عِلْمِهِمْ بَدِيًّا بِإِبَاحَتِهَا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى حَظْرِهَا بَعْدَ الْإِبَاحَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ النِّكَاحَ لمَّا كَانَ مُبَاحًا لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي إبَاحَتِهِ؟ ، وَمَعْلومٌ أَنَّ بَلْوَاهُمْ بِالْمُتْعَةِ لَوْ كَانَتْ مُبَاحَةً كَبَلْوَاهُمْ بِالنِّكَاحِ؛ فَالْوَاجِبُ إذًا أَنْ يَكُونَ وُرُودُ النَّقْلِ فِي بَقَاءِ إبَاحَتِهَا مِنْ طَرِيقِ الِاسْتِفَاضَةِ (٣).


(١) أحكام القرآن (٢/ ١٥١).
(٢) زاد المعاد (٣/ ٤٦٢).
(٣) أحكام القرآن (٢/ ١٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>