للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومكروهًا له تعالى ما دام منهيًا عنه منه تعالى. والقائلون بالحسن والقبح العقليين من المعتزلة يقرون بأنهما يختلفان باختلاف الأشخاص والأوقات والأحوال، وبهذا التوجيه ينتفي اجتماع الضدين؛ لأن الوقت الذي يكون فيه الفعل حسنا غير الوقت الذي يكون فيه ذلك الفعل قبيحا؛ فلم يجتمع الحسن والقبح في وقت واحد على فعل واحد (١).

الشبهة السابعة: يقولون إن التوراة التي أنزلها الله على موسى، لم تزل محفوظة لدينا منقولة بالتواتر فيما بيننا وقد جاء فيها: (هذه شريعة مؤبدة ما دامت السموات والأرض).

وجاء فيها أيضًا، (الزموا يوم السبت أبدًا) وذلك يفيد امتناع النسخ؛ لأن نسخ شيء من أحكام التوراة لا سيما تعظيم يوم السبت إبطال لما هو من عنده تعالى.

والجواب على هذه الشبهة من هذه الوجوه

[الوجه الأول: هذا الخبر المنقول عن موسى - عليه السلام - لا يصح.]

قال ابن الجوزي: وأما دعوى من ادعى أن موسى - عليه السلام - أخبر أن شريعته لا تنسخ فمحال ويقال: إن ابن الراوندي (٢) علَّمهم أن يقولوا: إن موسى قال: لا نبي بعدي.


(١) الإبهاج في شرح المنهاج (٥/ ١٦٤٦)، البرهان في أصول الفقه (١/ ٢٥٠)، مناهل العرفان (٢/ ١٦٧)، النسخ في القرآن الكريم د/ مصطفى زيد (١/ ٤٠: ٣٥).
(٢) ابن الراوندي الزنديق، وهو أحمد بن يحيى بن إسحاق أبو الحسين بن الراوندي، نسبة إلى قرية ببلاد قاشان ثم نشأ ببغداد، كان بها يصنف الكتب في الزندقة، وكانت لديه فضيلة، ولكنه استعملها فيما يضره ولا ينفعه في الدنيا ولا في الآخرة، - وهو - أحد مشاهير الزنادقة، كان أبوه يهوديا فأظهر الإسلام، ويقال إنه حرف التوراة، كما عادى ابنه القرآن بالقرآن، وألحد فيه، وصنف كتابًا في الرد على القرآن سماه الدامغ. وكتابًا في الرد على الشريعة والاعتراض عليها سماه الزمردة، وكتابًا يقال له التاج في معنى ذلك.
وله كتاب الفريد، وكتاب إمامة المفضول الفاضل، وقد انتصب للرد على كتبه هذه جماعة منهم الشيخ أبو علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي شيخ المعتزلة في زمانه وقد أجاد في ذلك، وكذلك ولده أبو هاشم عبد السلام بن أبي على، قال الشيخ أبو علي: قرأت كتاب هذا الملحد الجاهل السفيه ابن الراوندي، فلم أجد فيه إلا السفه، والكذب، والافتراء، قال: وقد وضع كتابًا في قدم العالم ونفي الصانع، وتصحيح مذهب الدهرية والرد على أهل التوحيد، ووضع كتابًا في الرد على محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سبعة عشر موضعا ونسبه إلى الكذب يعني: النبي - صلى الله عليه وسلم -، وطعن على القرآن ووضع كتابًا لليهود والنصارى وفضل دينهم على المسلمين =

<<  <  ج: ص:  >  >>