كتاب موسوعة محاسن الإسلام ورد شبهات اللئام

الوجه الثاني: الأدلة من القرآن على بطلان ألوهية المسيح سواء أكان هو الله، أو كان أحد الأقانيم الثلاثة - الدليل السابع - ج: 1 - ص: 382

الثالث: قال بعضهم: إن قوله {كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ} كناية عن الحدث، لأن من أكل الطعام فإنه لا بدّ وأن يحدث، وهذا عندي ضعيف من وجوه:

١ - أنه ليس كل من أكل أحدث، فإن أهل الجنة يأكلون ولا يحدثون.

٢ - أن الأكل عبارة عن الحاجة إلى الطعام، وهذه الحاجة من أقوى الدلائل على أنه ليس بإله، فأي حاجة بنا إلى جعله كناية عن شيء آخر؟

٣ - أن الإله هو القادر على الخلق والإيجاد، فلو كان إلها لقدر على دفع ألم الجوع عن نفسه بغير الطعام والشراب، فما لم يقدر على دفع الضرر عن نفسه، كيف يعقل أن يكون إلها للعالمين؟ وبالجملة ففساد قول النصارى أظهر من أن يحتاج فيه إلى دليل." (١)

وقال البقاعي: وخص الأكل؟ لأنه مع كونه ضعفًا لازمًا ظاهرًا، هو أصل الحاجات المعترية للإنسان؛ فهو تنبيه على غيره. ومن الأمر الجلي أن الإله لا ينبغي أن يدنو إلى جنابه عجز أصلًا، وقد اشتمل قوله تعالى {وَقَال الْمَسِيحُ}، وقوله {كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ} (المائدة: ٧٥) على أشرف أحوال الإنسان وأخسها، فأشرفها عبادة الله، وأخسها الاشتغال عنها بالأكل الذي هو مبدأ الحاجات (٢).

الدليل السابع: يثبت أن عيسى عليه عليه السلام صور في الرحم ومن كان كذلك لا يكون إلهًا، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (آل عمر ان: ٦).

وفي هذه الآية ذكر دليلًا آخر على بطلان ألوهية المسيح فقال: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ} وعيسى عليه السلام قد صور في رحم مريم؛ فهو قطعًا ممن صور الله تعالى، فكيف يكون إذا إلها مع الله أو ابنا لله كما يزعم النصارى؟ . وهنا قرر الحقيقة فقال: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} العزة التي لا ترام، والحكمة التي لا تخطيء هما مقتضيات أولوهيته

---

(١) التفسير الكبير (١٢/ ٥١ - ٥٢).
(٢) نظم الدرر (٢/ ٥١٦).