للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنه خلف المبادئ وترك كنيسته تقنن قوانين لتطبيقها، وليس لأحد أن يزعم أنه أصدر قوانين عن الصوم رأسًا. . . ومما هو ثابت تاريخيًا أن النصارى الذين كانوا من السلالة الإسرائيلية ظلوا يصومون يوم الكفارة، ولكنّ النصارى الذين ينتمون إلى أصول أخرى لم يلحوا على ذلك، وبانتهاء القرن المسيحي الأول ونصف قرن بعد وفاة القديس بولس نواجه رغبة ملحة في تقنين القوانين للصوم. وقد كان ذلك موكولًا إلى تقوى الصائم فنرى الرهبان وبعض رجال الكنيسة يقترحون صيامًا ليقاوم به النصارى الإغراءات المادية والجنسية. . . ولم ينل الصوم في النصرانية قسطًا من التنظيم والتقنين إلا في فترة ما بين القرن الثاني والقرن الخامس المسيحيين، فقد أصدرت الكنيسة قائمة أحكام وتوجيهات عن الموضوع (١).

وهو واضح في الدلالة على أن شريعة الصوم عند النصارى، ليس لها من مصدرها الإلهي إلا اسم الصوم فقط، أما جوهرها ولبابها فهو عبارة عن وضع بشري لا صلة له بوحي اللَّه.

[ملاحظات على الصوم في اليهودية والنصرانية]

هناك ملاحظات مهمة، يقف عليها الدارس للصوم في اليهودية والنصرانية، منها ما يلي:

أولًا: يلاحظ أن الصوم عندهم ليس فرضًا. (٢)

فالصوم الوحيد المذكور في الكتاب المقدس هو صوم يوم الكفارة، لم يذكر صراحة بل ذكر كنوع من تذليل النفس، ثم ذكرت أنواع أخرى من الأصوام قام بها الأنبياء والقديسون، ولا دلالة في كل ذلك على فرضيته، كما أن الممارسة العملية لشريعة الصوم في الوقت الحاضر تدل على ذلك، وفي النصرانية (لا يوجد في الأناجيل نص يقضي بفرض الصوم، وإنما فيه ذكره ومدحه واعتباره عبادة فقط، وذلك كالنهي عن الرياء، وعدم العبوس في الصوم). (٣)


(١) الأركان الأربعة (١٧١، ١٧٢) بتصرف.
(٢) إلا صوم الكفارة عند اليهود فهو صوم الفرض عندهم على الرغم من عدم ورود الأمر بالصوم فيه صراحة في التوراة.
(٣) النصرانية والإسلام للمستشار الطهطاوي (٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>