للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثامن: هي حروف من حساب الجمل. (١)

وبعد أن ذكر الطبري - رحمه الله - هذه الأقوال؛ قال:

والصواب من القول عندي في تأويل مفاتح السور التي هي حروف المعجم: أن الله - عز وجل - جعلها حروفًا مقطعةً، ولم يصل بعضها ببعض فيجعلها كسائر الكلام المتصل الحروف؛ لأنه - عز وجل - أراد بلفظه الدلالة بكل حرف منها على معانٍ كثيرةٍ لا على معنى واحد. (٢)

وهذا مضمون ما قاله الشوكاني - رحمه الله - حيث قال:

والذي أراه لنفسي ولكل من أحب السلامة واقتدى بسلف الأمة أن لا يتكلم بشيء من ذلك، مع الاعتراف بأن في إنزالها حكمة لله - عز وجل -، ولا تبلغها عقولنا، ولا تهتدي إليها أفهامنا، وإذا انتهيت إلى السلامة في مداك فلا تجاوزه (٣).

وإجمال القول في هذا المقام: أن هذه الأحرف لم يرد في تأويلها شيء صحيح من المعصوم - صلى الله عليه وسلم - فيما علمنا، ولم يجمع أهل العلماء في تأويلها على وجهة معينة، فالأمر على ما ذكره بعض أهل العلم حيث قالوا: فمن ظهر له بعض الأقوال بدليلٍ فعليه اتباعه، وإلا فالوقف أولى (٤).

الوجه الثالث: هذه الأحرف حجةٌ على من عارض القرآن.

حيث قال المبرد واختاره جمع عظيم من المحققين: إن الله تعالى إنما ذكرها احتجاجًا على الكفار، وذلك أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما تحداهم أن يأتوا بمثل القرآن، أو بعشر سور، أو بسورة واحدة فعجزوا عنه أنزلت هذه الحروف؛ تنبيهًا على أن القرآن ليس إلا من هذه الحروف، وأنتم قادرون عليها، وعارفون بقوانين الفصاحة، فكان يجب أن تأتوا بمثل هذا القرآن - هذا مع أنه مركب من الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها - فلما عجزتم عنه دل


(١) تفسير الطبري (٨٦ - ٨٩)، تفسير الرازي (٢/ ٥).
(٢) تفسير الطبري (١/ ٩٣).
(٣) فتح القدير (١/ ٤٢: ٤٣).
(٤) التسهيل لتأويل التنزيل (سورة البقرة ١/ ١٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>