للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: تلك جاء فيها نصوص صحيحة صريحة، قلنا: وكذلك والداه؟

فإن قيل: إنما نتوقف لما جاء مما يعارضها، قلنا: لو جاز لمؤمن أن يتوقف فيما صح لمجرد أخبار مكذوبة وموضوعة تعارضها؛ لجاز التوقف عن كثير من شرائع الإسلام، وكان كلما أراد مبطلٌ أن يبطل سنة أو آية أو حكمًا، كَذَبَ واخترع نصًا ونسبه للنبي - صلى الله عليه وسلم - فيحصل على غاية ما يريد، وهل يطلب أعداء الله منا أكثر من أن نتوقف في قبول ما جاء به نبينا - صلى الله عليه وسلم -.

انظر ما في هذا المسلك من المزلق العظيم والحظر الجسيم؛ أن يصوِّر الشكُّ والتردد في الإيمان بما جاء به - صلى الله عليه وسلم -، على أنه توقف في مسألة شرعية ورعًا عن القول بلا علم، فهذا والله منتهى التلبيس، بل الوقف في مثل هذه المسألة لا يجوز أبدًا؛ لأنه قد صحت النصوص الصريحة، وما يقابلها، لا يرتقي للضعف فضلًا عن أن يكون ندًا لما صح، والله المستعان.

[فائدة هامة]

(وهي أن الغفلة والجهل ليست عذرًا بكل حال)، أعني أن أفضل توصيف لحال والدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وجمهور أهل الجاهلية أنهم من المقلدين السائرين مع رؤسائهم وآبائهم دون تفكير في صواب ما هم عليه من عدمه، وقد ذكر الإمام ابن القيم هذا الصنف في كتابه الماتع (طريق الهجرتين) ننقله بشيء من الاختصار؛ قال رحمه الله: الطبقة السابعة عشر:

طبقة المقلدين وجهال الكفرة وأتباعهم وحميرهم الذين هم معهم تبعًا لهم يقولون: إنا وجدنا آباءنا على ملة وإنا على أسوة بهم، ومع هذا فهم تاركون لأهل الإسلام غير محاربين لهم؛ كنساء المحاربين، وخدمهم، وأتباعهم الذين لم ينصبوا أنفسهم لما نصب له أولئك أنفسهم من السعي في إطفاء نور الله وهدم دينه وإخماد كلماته، وقد اتفقت الأمة على أن هذه الطائفة - الطبقة - كفار وإن كانوا جهالًا مقلدين لرؤسائهم وأئمتهم، إلا ما يحكى عن بعض أهل البدع، أنه لم يحكم لهؤلاء بالنار، وجعلهم بمنزلة من لم تبلغه الدعوة، وهذا مذهب لم يقلْ به أحد من أئمة المسلمين، لا الصحابة ولا التابعون ولا من بعدهم، وإنما يُعرف عن بعض أهل الكلام المحدث في الإسلام. (١)


(١) طريق الهجرتين ١/ ٦٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>