وقال محمد بن معن في (التنقيب على المهذب): الزنادقة من الثنوية، يقولون ببقاء الدهر وبالتناسخ، قال: ومن الزنادقة الباطنية وهم قوم زعموا أن اللَّه خلق شيئًا؛ ثم خلق منه شيئًا آخر فدبر العالم بأسره ويسمونها العقل والنفس، وتارة العقل الأول والعقل الثاني، وهو من قول الثنوية في النور والظلمة إلا أنهم غيروا الاسمين، قال: ولهم مقالات سخيفة في النبوات وتحريف الآيات وفرائض العبادات؛ وقد قيل إن سبب تفسير الفقهاء الزنديق بما يفسر به المنافق قول الشافعي في المختصر: وأي كفر ارتد إليه مما يظهر أو يسر من الزندقة وغيرها ثم تاب سقط عنه القتل، وهذا لا يلزم منه اتحاد الزنديق والمنافق؛ بل كل زنديق منافق من غير عكس، وكان من أطلق عليه في الكتاب والسنة منافق؛ يظهر الإِسلام ويبطن عبادة الوثن أو اليهودية، وأما الثنوية فلا يحفظ أن أحدًا منهم أظهر الإِسلام في العهد النبوي واللَّه أعلم. (١)
[الفرق بين الزنديق وغيره من أصناف الكفار]
قال العلامة ابن كمال باشا في رسالته: الزنديق في لسان العرب يطلق على من ينفي الباري تعالى، وعلى من يثبت الشريك، وعلى من ينكر حكمته والفرق بينه وبين المرتد العموم الوجهي؛ لأنه قد لا يكون مرتدًا؛ كما لو كان زنديقًا أصليًا غير منتقل عن دين الإِسلام، والمرتد قد لا يكون زنديقًا كما لو تنصر أو تهود، وقد يكون مسلمًا فيتزندق، وأما في اصطلاح الشرع فالفرق أظهر لاعتبارهم فيه إبطان الكفر والاعتراف بنبوة نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم-. . .، والفرق بين الزنديق والمنافق والدهري والملحد مع الاشتراك في إبطان الكفر؛ أن المنافق غير معترف بنبوة نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم-، والدهري كذلك مع إنكاره إسناد الحوادث إلى الصانع المختار سبحانه وتعالى، والملحد وهو من مال عن الشرع القويم إلى جهة من جهات الكفر من: ألحد في الدين؛ حاد وعدل، لا يشترط فيه الاعتراف بنبوة نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم- ولا بوجود الصانع