للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك في حال رضاه وفي حال سخطه وجده ومزحه وصحته ومرضه ودليل ذلك اتفاق السلف وإجماعهم عليه وذلك أنا نعلم من دين الصحابة وعادتهم مبادرتهم إلى تصديق جميع أحواله وللثقة بجميع أخباره في أي باب كانت وعن أي شيء وقعت، وأنه لم يكن لهم توقف ولا تردد في شيء منها استثبات ولا عن حاله عند ذلك هل وقع فيها سهو أم لا. (١)

ثالثًا: النسيان والسهو والغلط في الأفعال فيما يتعلق بالتبليغ والرسالة.

قال القاضي عياض:

فحكمه عند جماعة من العلماء حكم السهو في القول في هذا الباب، وقد ذكرنا الاتفاق على امتناع ذلك في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - وعصمته من جوازه عليه قصدًا أو سهوًا، فكذلك قالوا: الأفعال في هذا الباب لا يجوز طرو المخالفة فيها لا عمدًا ولا سهوًا لأنها بمعنى القول من جهة التبليغ والأداء وطرو هذه العوارض عليها يوجب التشكيك ويسبب المطاعن، واعتذروا عن أحاديث السهو بتوجيهات نذكرها بعد هذا وإلى هذا مال أبو إسحاق، (وغيره من المشايخ المتصوفة).

وذهب الأكثر من الفقهاء والمتكلمين (ومعظم المحققين) إلى أن المخالفة في الأفعال البلاغية والأحكام الشرعية سهوًا وعن غير قصد منه جائز عليه كما تقرر من أحاديث السهو في الصلاة وترقوا بين ذلك وبين الأقوال البلاغية لقيام المعجزة على الصدق في القول ومخالفة ذلك تناقضها وأما السهو في الأفعال فغير مناقض لها ولا قادح في النبوة بل غلطات الفعل وغفلات القلب من سمات البشر كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي" (٢)، نعم بل حالة النسيان والسهو هنا في حقه - صلى الله عليه وسلم - سبب إفادة علم وتقرير شرع ... وهذه الحالة زيادة له في التبليغ وتمام عليه في النعمة بعيدة عن سمات النقص وأغراض الطعن (٣).


(١) الشفا بتعريف حقوق المصطفى ٢/ ١٥١.
(٢) البخاري (٤٠١)، مسلم (٥٧٢).
(٣) الشفا بتعريف حقوق المصطفى ٢/ ١٦٤، شرح صحيح مسلم للنووي ٢/ ٦٤ بتصرف يسير.

<<  <  ج: ص:  >  >>