للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد علق الشاطبي على مثل هذه الأحاديث فقال: فالظاهر في مثل هذا النوع أن يكون مشروعًا في حق من ثبتت ولايته واتباعه لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأن يتبرك بفضل وضوئه ويتدلك بنخامته ويستشفى بآثاره كلها، ولكن هناك إشكال يبين أن هذا خاص بالنبي - صلى الله عليه وسلم -. (١)

وقال الشاطبي: وهو أن الصحابة رضى الله عنهم بعد موته - عَلَيْهِ السَّلَام - لم يقع من أحد منهم شىء من ذلك بالنسبة إلى من خلفه، فلم يثبت ذلك لأبي بكر ولا لعمر ولا لعثمان ولا لعلي، وهو أفضل الأمة بعده - صلى الله عليه وسلم - (٢).

لا خفاء عَلَى مَنْ مَارَسَ شَيْئًا مِنَ الْعِلْمِ، أَوْ خُصَّ بِأَدْنَى لَمْحَةٍ مِنَ الْفَهْمِ: بِتَعْظِيمِ اللَّهِ قَدْرَ نَبِيِّنَا - صلى الله عليه وسلم - وخُصُوصِهِ إيَّاهُ بِفَضَائِلَ وَمَحَاسِنَ وَمَنَاقِبَ لَا تَنْضَبِطُ لِزِمَامٍ: وَتَنويِهِهِ مِنْ عَظِيمِ قَدْرِهِ بِمَا تَكِلُّ عَنْهُ الْأَلْسِنَةُ وَالْأَقْلَامُ (٣).

وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينهاهم عن ذلك مثل النخامة وما شابه ذلك، ولكن تركهم لأن الموقف كان يستدعي ذلك، إظهارًا لمحبته أمام العدو بقصد ليعلم كم هي الصفوف هاتفة خلف نبيها، وكم هي لا تفرط في أيّ شيء يتعلق بنبيها حتى نخامته وماء وضوئه - صلى الله عليه وسلم -.

وقال ابن رجب في معرض سياقه النهي عن المبالغة في تعظيم الأولياء والصالحين، وكذلك التبرك بالآثار، فإنما كان يفعله الصحابة مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يكونوا يفعلونه مع بعضهم، ولا يفعله التابعون مع الصحابة مع علو قدرهم، فدل على أن هذا لا يفعل إلا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - (٤).

[الوجه الثاني: شخص النبي - صلى الله عليه وسلم - غير شخصنا.]

فهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخاتم النبيين: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - "أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ وَبِيَدِي لِوَاءُ الحمْدِ وَلَا فَخْرَ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ يَوْمَئِذٍ آدَمَ فَمَنْ سِوَاهُ إِلَّا تَحْتَ لِوَائِي وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ وَلَا فَخْرَ" (٥).


(١) الاعتصام (١/ ٢٩٣).
(٢) الدولة الأموية للصلابي (٢/ ١٨٤).
(٣) الشفا بتعريف حقوق المصطفى (١/ ١١).
(٤) الحكم الجديرة بالإذاعة (١/ ٢٤).
(٥) الترمذي في السنن (٣١٤٨)، وابن ماجة في السنن (٤٣٠٨)، وأحمد في المسند (١/ ٢٨١)، وقال أبو عيسى: هذا حديث صحيح، وصححه الألباني في الصحيحة (١٥٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>