للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: عَن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَال: سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ الله فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ: الإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المُسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تحَابَّا فِي الله اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَال: إِنِّي أَخَافُ الله، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ الله خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ. (١)

[الوجه الثامن: المحبة هي من أصول الإيمان القلبي.]

لا شك أن الله سبحانه قد أمر عباده بطاعته وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وركب فيهم الاختيار والحرية في فعل ذلك أو تركه. قال تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [النساء: ١٣]، وقال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (٦٩)} [النساء: ٦٩] والطاعة الاختيارية لا تكون إلا عن حب.

كما قال الشاعر: إن المحب لمن أحب مطيع، فالعبادة مبناها على فعل المأمور وترك المحظور، وفعل المأمور لا يكون إلا عن حب. وترك المحظور لا يكون إلا عن خوف.

قال ابن رجب: ومن كان همه طلب محبة الله عزَّ وجلَّ أعطاه الله فوق ما يريده من الدنيا تبعًا، قال بعض السلف: لما توفي داود عليه السَّلام أرسل الله عزَّ وجلَّ إلى سليمان عليه السَّلام: ألك حاجة تسألني إياها؟ .

فقال سليمان: أسأل الله أن يجعل قلبي يحبه كما كان قلب أبي داود يحبه، وأن يجعل قلبي يخشاه كما كان قلب أبي داود يخشاه. فشكر الله له ذلك وأعطاه ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده.

ومحبة الله تعالى على درجتين: إحداهما: واجبة، وهي المحبة التي توجب للعبد محبة ما يحبه الله من الواجبات، وكراهة ما يكرهه من المحرمات، فإن المحبة التامة تقتضي الموافقة لمن يحبه في محبة ما يحبه، وكراهة ما يكرهه خصوصًا فيما يحبه ويكرهه من المحب نفسه، فلا


(١) البخاري (٦٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>