للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- وحذف الجواب، كقوله: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا} [الرعد: ٣١]؛ كأنه قيل: لكان هذا القرآن، والحذف أبلغ من الذكر؛ لأن النفس تذهب كل مذهب في القصد من الجواب.

والإيجاز بالقصر: كقوله: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: ١٧٩]، وقوله: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المنافقون: ٤]، وقوله: {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [يونس: ٢٣]، وقوله {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} [فاطر: ٤٣].

[إعجاز القرآن في علم البيان]

[تعريف علم البيان]

قال المراكشي: تعريف علم البيان كما اختاره جماعة: فهو ما يحترز به عن الخطأ في تأدية المعنى، وعن تعقيده وتعرف به وجوه تحسين الكلام بعد رعاية تطبيقه لمقتضى الحال. (١)

- فالبيان على أربعة أقسام: كلام، وحال، وإشارة، وعلامة.

ويقع التفاضل في البيان، ولذلك قال عزّ من قائل: {الرَّحْمَنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (٤)} [الرحمن: ١ - ٤]، ونقيضه العي، ومنه قيل: أعيا من باقلٍ؛ سئل عن ظبية في يده بكم اشتراها، فأراد أن يقول بأحد عشر، فأشار بيديه مادًا أصابعه العشر ثم أدلع لسانه، فأفلتت الظبية من يده.

والشيء إذا صدر من أهله، وبدا من أصله، وانتسب إلى ذويه، سلم في نفسه، وبانت فخامته، وشوهد أثر الاستحقاق فيه. وإذا صدر من متكلف، وبدا من متصنع بان أثر الغربة عليه، وظهرت مخايل الاستيحاش فيه وعرف شمائل التحير منه. فالكلام الصادر عن عزة الربوبية ورفعة الإلهية يتميز عما لم يكن كذلك، ثم رجع الكلام بنا إلى ما ابتدأنا به من عظيم شأن البيان، ولو لم يكن فيه إلا ما منّ به الله على خلقه بقوله {خَلَقَ الْإِنْسَانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ}، فأما بيان القرآن: فهو أشرف بيان وأهداه وأكمله وأعلاه وأبلغه وأسناه.


(١) الإتقان في علوم القرآن ٢/ ٣١٧ - ٣٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>