للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى (١٣٤)} أي لو أنا أهلكنا هؤلاء المكذبين قبل أن نرسل إليهم هذا الرسول الكريم، وننزل عليهم هذا الكتاب العظيم لكانوا قالوا: {رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا} قبل أن تهلكنا حتى نؤمن به ونتبعه كما قال {فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى} يبين تعالى أن هؤلاء المكذبين متعنتون معاندون لا يؤمنون: {وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (٩٧)} [يونس: ٩٧] كما قال تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٥٥)} إلى قوله: {بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ} وقال: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ} الآية وقال: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا} (١)

[الوجه السادس: بعض معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - التي فاقت سائر المعجزات.]

[١ - معجزة القرآن]

أعطى الله - عز وجل - كل نبي من الأنبياء عليهم السلام معجزة خاصة به لم يعطها بعينها غيره تحدى بها قومه، وكانت معجزة كل نبي تقع مناسبة لحال قومه وأهل زمانه، فلما كان الغالب على زمان موسى - عليه السلام - السحر وتعظيم السحرة، بعثه الله بمعجزة بهرت الأبصار، وحيرت كل سحار، فلما استيقنوا أنها من عند العزيز الجبار انقادوا للإسلام وصاروا من عباد الله الأبرار.

وأما عيسى - عليه السلام - فبعثه الله في زمن الأطباء وأصحاب علم الطبيعة، فجاءهم من الآيات بما لا سبيل لأحد إليه إلا أن يكون مؤيدًا من الذي شرع الشريعة، فمن أين للطبيب قدرة على إحياء الجماد؟ وبعث من هو في قبره رهين إلى يوم التناد؟ أو على مداواة الأكمه والأبرص؟ وكذلك نبينا بعث في زمان الفصحاء والبلغاء وتجاريد الشعراء، فأتاهم بكتاب من عند الله - عز وجل -، فاتهمه أكثرهم أنه اختلقه وافتراه من عنده، فتحداهم


(١) تفسير ابن كثير (٢/ ٢٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>