للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رفيعات، وأعطيته دراهم يسيرات، وعلى هذا جاء في سورة البقرة وفي آل عمران؛ كأنهم قالوا أولًا بطول المدة التي تمسهم فيها النارُ، ثم تراجعوا عنه فقصروا تلك المدة. (١)

وعلى ذلك يمكن أن نقول: إن هذه من المواضع التي يكون فيها المفرد أكثر من الجمع، فجمع غير العاقل إن كان بالإفراد يكون أكثر من حيث العدد من الجمع السالم كأنهار جارية وأنهار جاريات؛ فالجارية أكثر من الجاريات، قال تعالى في سورة يوسف: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} أي: أكثر من ١١ درهمًا، ولو قال: معدودات لكانت أقل.

وفي الآيتين المتقدمتين قال في الأولى: (أيَّامًا مَعْدُودَةٍ) وفي الثانية: (أيَّامًا مَعْدُودَاتٍ)؛ لأن الذنوب التي ذُكرت في الأولى أكثر، فجاء بـ (مَعْدُودَةٍ) التي تفيد الكثرة، والذنوب التي ذكرت في الثانية أقل فجاء بـ (مَعْدُودَاتٍ)؛ فجاءت كل كلمة بما يناسب السياق.

[الوجه الثاني: الوصف لأيام -وهي اسم مذكر- بـ (معدودة) هو الأصل، والوصف بـ (معدودات) هو الفرع، وذلك تنويع جائز.]

ولسائل أن يسأل: لم كانت الأولى: معدودة والثانية: معدودات والموصوف في المكانين موصوف واحد وهو (أيامًا)؟

والجواب: أن الاسم إن كان مذكرًا فالأصل في صفة جمعه التاء؛ يقال: كوز وكيزان مكسورة، وثياب مقطوعة، وإن كان مؤنثًا كان الأصل في صفة جمعه الألف والتاء، يقال: جرة وجرار مكسورات، وخابية وخوابي مكسورات، إلا أنه قد يوجد الجمع بالألف والتاء فيما واحده مذكر في بعض الصور نادرًا نحو: حمَّام وحمَّامات، وجمل سبطر وسبطرات (٢) وعلى هذا ورد قوله تعالى: (فِي أيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ) و: (فِي أيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) فاللَّه تعالى تكلم في سورة البقرة بما هو الأصل وهو قوله: (أيَّامًا مَعْدُودَة)، وفي آل عمران بما هو الفرع. (٣)


(١) درة الغواص في أوهام الخواص للحريري ص ٩٠.
(٢) حمَّامات هي جمع: حمَّام، والحمَّام مذكر، وكان قياسه أَن لا يجمع بالأَلف والتاء. جَمَلٌ سِبَطْرٌ وجِمَالٌ سِبَطْرَاتٌ سَرِيَعةٌ؛ لسان العرب لابن منظور ٢/ ٣٤٢.
(٣) التفسير الكبير للفخر الرازي ٣/ ١٥٢، والبرهان للزركشي ١/ ١٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>