للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأجل هذا سأله النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الأمر صريحًا.

قال ابن حجر: وفيه جواز تلقين المقر بما يوجب الحد ما يدفع به عنه الحد، وأن الحد لا يجب إلا بالإقرار الصريح، ومن ثم شرط على من شهد بالزنا أن يقول رأيته ولج ذكره في فرجها أو ما أشبه ذلك، ولا يكفي أن يقول أشهد أنه زنى، وثبت عن جماعة من الصحابة تلقين المقر بالحد. كما أخرجه مالك، عن عمرو بن أبي شيبة، عن أبي الدرداء. وعن علي في قصة شراحة، ومنهم من خص التلقين بمن يظن به أنه يجهل حكم الزنا وهو قول أبي ثور، وعند المالكية يستثنى تلقين المشتهر بانتهاك الحرمات، ويجوز تلقين من عداه وليس ذلك بشرط (١).

ويترتب على هذا أن الزاني إذا أقر فلا يؤخذ إقراره قضية مسلَّمة، وعلى القاضي لكي يتحقق من صحة إقراره أن يتحقق أولا من صحة عقله كما فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع ماعز حيث سأله عن عقله وبعث إلى قومه يسألهم عنه فإذا عرف القاضي أن الزاني صحيح العقل سأله عن ماهية الزنا، وكيفيته، ومكانه، وزمانه؛ فإذا بين ذلك كله على وجه يجعله مسئولًا جنائيًا سأله أمحصن هو أم لا؛ فإن اعترف بالإحصان سأله عن ماهيته، وسؤال المقر عن زمان الزنا لاحتمال أن يكون الزنا وقع قبل البلوغ (٢).

[شبهة: لماذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للرجلين: انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار؟]

وهذه هي الرواية بذلك عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: جاء ماعز بن مالك الأسلمي، فرجمه النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الرابعة، فمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه نفر من أصحابه، فقال رجل منهم: إن هذا لخائن، أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - مرارًا، كل ذلك يرده، حتى قتل كما يقتل الكلب، فسكت عنهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، حتى مر بجيفة حمار شائلة رجله، فقال: "كلا من هذا، قالا: من جيفة حمار يا رسول الله! قال: فالذي نلتما من عرض أخيكما آنفا أكثر، والذي نفس محمد بيده إنه في نهر من أنهار الجنة ينغمس".

وفي رواية: فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حمار ميت، فقال لهما: "انهسا من هذا الحمار،


(١) فتح الباري ١٢/ ١٢٦.
(٢) التشريع الجنائي في الإسلام ٢/ ٣٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>