للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الإمام النووي: قوله - صلى الله عليه وسلم - "فقدت أمة من بني إسرائيل لا يدري ما فعلت ولا أراها إلا الفأر ألا ترونها إذا وضع لها ألبان الإبل لم تشربها وإذا وضع لها ألبان الشاء شربته" معنى هذا أن لحوم الإبل وألبانها حرمت علي بني إسرائيل دون لحوم الغنم وألبانها، فدل بامتناع الفأرة من لبن الإبل دون الغنم على أنها مسخ من بني إسرائيل. (١)

[الوجه الرابع: وقوع المسخ في الأمة المحمدية الخاتمة والأدلة على ذلك.]

إن صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خافوا من أن يمسخهم الله عز وجل قردة وخنازير فلجئوا إلى الله تعالى قائلين: {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} [البقرة: ٢٨٦].

قال الطبري: وقال آخرون معنى ذلك: ولا تحمل علينا ذنوبًا وإثمًا، كما حملت ذلك على من قبلنا من الأمم فتمسخنا قردة وخنازير كما مسختهم.

ونقل عن عطاء بن أبي رباح في قوله {وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} قال: لا تمسخنا قردة وخنازير. (٢)

ومن الأدلة التي تبين وقوع المسخ في الأمة الخاتمة ما يلي:

١ - عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري قال حدثني أبو عامر- أو أبو مالك الأشعري والله ما كذبني "سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحرَّ والحرير


(١) مسلم بشرح النووي (٩/ ٣٥١)، وقد قال الشوكاني في "نيل الأوطار" بعد ذكره الحديث: وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ المْسُوخَ لَا نَسْلَ لَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَم ذَلِكَ إلَّا بِوَحْيٍ، وَأَنَّ تَرَدُّدَهُ فِي الضَّبِّ كَانَ قَبْلَ الْوَحْيِ بِذَاكَ، وَالْحَدِيثُ يَرْوِيهِ ابْنُ مَسْعُودٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ذُكِرَتْ عِنْدَهُ الْقِرَدَةُ، قَالَ مِسْعَرٌ: وَأَرَاهُ قَالَ وَالْخَنَازِيرُ مِمَّا مُسِخَ، فَقَالَ: إنَّ الله لَمْ يَجْعَلْ لمِسْخٍ نَسْلًا وَلَا عَقِبًا، وَقَدْ كَانَتْ الْقِرَدَةُ وَالْخَنَازِيرُ قَبْلَ ذَلِكَ. وَفِي رِوَايَةٍ: "أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ الله الْقِرَدَةُ وَالْخَنَازِيرُ هِيَ مِمَّا مَسَخَ الله؟ فَقَالَ النَّبِي: - صلى الله عليه وسلم - إنَّ الله لَمْ يَهْلِكْ أَوْ يُعَذَبْ قَوْمًا فَيَجْعَلُ لهمْ نَسْلًا. (مسلم: ٢٦٦٣)، (نيل الأوطار ٨/ ١٣٤).
فنقول: أن سبب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (لا أدري لعل هذا فيها) كان قبل الوحي بأن المسخ لا يتناسلون، وقال النووي: قوله "وإن القردة والخنازير كانوا قبل ذلك" أي قبل مسخ بني إسرائيل، فدل أنها ليست من المسخ (شرح النووي ٨/ ٤٦٦).
(٢) تفسير الطبري (٣/ ١٥٧)، تفسير القرطبي (٣/ ٤٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>