[الوجه الأول: الخلاص بالإخلاص لله وترك الشرك وعبادة الله وحده واتباع نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -.]
بعث الله سبحانه عبده ورسوله وكلمته المسيح ابن مريم فجدد لهم الدين وبين لهم معالمه ودعاهم إلى عبادة الله وحده والتبري من تلك الأحداث والآراء الباطلة فعادوه وكذبوه ورموه وأمه بالعظائم وراموا قتله فطهره الله تعالى منهم ورفعه إليه فلم يصلوا إليه بسوء وأقام الله تعالى للمسيح أنصارا دعوا إلى دينه وشريعته حتى ظهر دينه على من خالفه ودخل فيه الملوك وانتشرت دعوته واستقام الأمر على السداد بعده نحو ثلثمائة سنة.
ثم أخذ دين المسيح في التبديل والتغيير حتى تناسخ واضمحل ولم يبق بأيدي النصارى منه شيء بل ركَّبوا دينًا بين دين المسيح ودين الفلاسفة عباد الأصنام وراموا بذلك أن يتلطفوا للأمم حتى يدخلوهم في النصرانية فنقلوهم من عبادة الأصنام المجسدة إلى عبادة الصور التي لا ظل لها ونقلوهم من السجود للشمس إلى السجود إلى جهة المشرق ونقلوهم من القول باتحاد العاقل والمعقول والعقل إلى القول باتحاد الأب والابن وروح القدس.
ومن المعلوم أن هذه الأمة ارتكبت محذورين عظيمين لا يرضى بهما ذو عقل ولا معرفة:
أحدهما: الغلو في المخلوق حتى جعلوه شريك الخالق وجزءًا منه وإلهًا آخر معه وأنفوا أن يكون عبدًا له.
والثاني: تنقص الخالق وسبه ورميه بالعظائم حيث زعموا أنه - سبحانه وتعالى عن قولهم علوًا كبيرًا - نزل من العرش عن كرسي عظمته ودخل في فرج امرأة وأقام هناك تسعة أشهر يتخبط بين البول والدم والنجو وقد علته أطباق المشيمة والرحم والبطن ثم خرج من حيث دخل رضيعًا صغيرًا يمص الثدي ويبكي ويجوع ويعطش ويتغوط، ثم صار إلى أن لطمت اليهود خديه وربطوا يديه وبصقوا في وجهه وصفعوا قفاه وصلبوه جهرًا بين لصين وألبسوه إكليلًا من الشوك وسمروا يديه ورجليه وجرعوه أعظم الآلام هذا هو الإله الحق الذي بيده أتقنت العوالم وهو المعبود المسجود له.