للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"من نام حتى أَصبح بال الشيطان في أُذُنه" قيل: معناه سَخِر منه وظَهَر عليه حتى نام عن طاعة الله. كما قال الشاعر: بالَ سُهَيْل في الفَضِيخِ فَفَسَد.

أَي: لما كان الفَضِيخ يَفْسُد بطلوع سُهَيْل كان ظُهورُه عليه مُفْسِدًا له، وأضيف ذلك الفعل به إلى الشيطان؛ لأنه مما يرضاه الشيطان منه، وذكر فيه بول الشيطان في أذنه؛ أي: فعل به أقبح ما يفعل بالنوام، وليس ذلك على حقيقة البول منه في أذنه، ولكن على المثل والاستعارة في المعنى كمثل ما قال - صلى الله عليه وسلم - مما قد ذكرناه فيما تقدم منا في كتابنا هذا من عقد الشيطان عند رأس من نام ثلاث عقد، لا يريد بذلك ثلاث عقد من العقد التي يعقد بها بنو آدم، ولكن مثلٌ لها واستعارة لمعناها؛ لأن العقد التي يعقدها بنو آدم تمنع من يعقدونه بها من التصرف لما يحاول التصرف فيه، فكان مثله ما يكون من الشيطان للنائم الذي لا يقوم من نومه إلى ما ينبغي أن يقوم إليه النوام من ذكر الله عز وجل ومن الصلاة له، فهذا أحسن ما حضرنا مما يحتمله هذا الحديث، والله عز وجل أعلم بما أراده رسوله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، وإياه نسأل التوفيق (١).

[الوجه الثالث: توجيهات الحديث.]

لقد وجه العلماء الأفاضل معنى بول الشيطان في أذن من نام حتى فاتته الفريضة عدة توجيهات:

الأول: أن يقال بأن الأمر هو على حقيقته، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَقَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ، وَلِهَذَا لمَّا سَمَّى ذَلِكَ الرَّجُلُ فِي أَثْنَاءِ طَعَامِهِ قَاءَ الشَّيْطَانُ كُلَّ شَيْءٍ أَكَلَهُ (٢)، فَيَكُونُ بَوْلُهُ وَقَيْؤُهُ طَاهِرًا، وَهَذَا غَرِيبٌ، قَدْ يُعَايَا بِهَا، وَالله أَعْلَمُ (٣).

قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: وَلَا يَبْعُد أَنْ يَكُون عَلَى ظَاهِره (٤).

قال القرطبي وغيره: هو على حقيقته؛ إذ لا مانع من ذلك؛ إذ لا إحالة فيه؛ لأنه ثبت أن الشيطان يأكل ويشرب وينكح، فلا مانع من أن يبول (٥).


(١) مشكل الآثار (١/ ٣٥٦) بتصرف.
(٢) رَوَاهُ أَبو دَاوُد (٣٧٦٨)، وَالنَّسَائِيُّ (٦٧٥٨)، وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ (٤/ ١٢١).
(٣) الفروع لابن مفلح (٢/ ٤٣٢٩).
(٤) شرح النووي (٣/ ١٢٥).
(٥) فتح الباري (٣/ ٢٨)، حاشية السندي (٣/ ٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>