للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه راضيًا غير مكره ثم خرج منه؟ .

ما أخرجه إلا اقتناع بعدم صلاحيته أو بأفضلية غيره عليه، فإذا كان المرتد ممن كانت لهم مكانة وموضع مرموق في الجماعة قويت الشبه واشتد التشكيك؟ . (١)

[الشبهة الثانية]

يقولون: الإنسان لم يختر بإرادته أن يصبح مسلمًا، ليس إلا أنه وُلد في بيئة مسلمة، فلماذا يُطبَّق عليه حدّ الردة، أليس هذا تناقض مع حرية الاعتقاد المديني؟ .

[والرد على هذه الشبهة بالآتي]

عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- "مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ"، يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي اللَّه عنه- واقرءوا إن شئتم: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} (الروم: ٣٠). (٢)

قال ابن حجر: وأشهر الأقوال أن المراد بالفطرة الإِسلام، قال ابن عبد البر: وهو المعروف عند عامة السلف، وأجمع أهل العلم بالتأويل على أن المراد بقوله تعالى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} الإِسلام، واحتجوا بقول أبي هريرة في آخر حديث الباب: اقرؤوا إن شئتم {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}، وبحديث عياض بن حمار عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه "إني خلقت عبادي حنفاء كلهم، فاجتالتهم الشياطين عن دينهم" (٣).

وقد رواه غيره فزاد فيه (حنفاء مسلمين) (٤)، ورجحه بعض المتأخرين بقوله تعالى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} لأنها إضافة مدح، وقد أمر نبيه بلزومها، فعلم أنها الإِسلام (٥).


(١) بحوث في علوم التفسير (٤٥٨، ٤٥٩) محمد حسين الذهبي.
(٢) أخرجه البخاري (١٣٥٩)، مسلم (٢٦٥٨).
(٣) جزء من حديث في مسلم (٢٨٦٥).
(٤) إسناده صحيح، أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار (٣٢٦١) والطبراني في الكبير (١٤٨١٦).
(٥) فتح الباري (٣/ ٢٩٢، ٢٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>