عَلِيمٌ (٢٥٦)} (البقرة: ٢٥٦)، فمن دخل في الإِسلام حرًّا مدركًا، عالمًا الغيّ من الرشد. فليس له من بعد أن ينفصم منه؛ لأنه لن يخرج منه ببينة صادقة وحجة مستقيمة، إنما هو الضلال والتضليل، فإذا حارب الإِسلام اتخاذ الأديان هزوًا ولعبًا وعبثًا وتضليلًا، فإنما يفعل ذلك لحماية حرية الفكر والرأي من هؤلاء العابثين (١).
وهنا مظنة سؤال: لعل العصر بما يموج فيه من أخلاط الفكر يجعله أكثر إلحاحًا! أليست قضية الاعتقاد مسألة شخصية تمامًا بحيث لا يحق التدخل فيها؟ ، أليس القرآن نفسه يقرر هذا المبدأ الذي نستند إليه عندما نتحدث عن سماحة الإِسلام: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٥٦)} (البقرة: ٢٥٦)!
ونقول: بلى، جوابًا عن كل من السؤالين، ولكن هل ردة المرتد مسألة شخصية تمامًا لا تمس الجماعة التي كان يؤمن بدينها، فهل عقوبتها تتناقض مع مبدأ حرية العقيدة التي تقرره الآية؟
فرق بين موقفين: موقف يرفض فيه صاحبه من البداية -وهو غير مسلم- أن يدخل في الإِسلام، وموقف يرتد فيه صاحبه عن الإِسلام بعد أن دخل فيه.
الموقف الأول يقر الإِسلام صاحبه، ويحمي حقه الكامل في البقاء على حاله التي هو عليها، بل في تغييرها إلى أي دين آخر يختاره غير الإِسلام، وهنا يتجسد المبدأ العظيم {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} تجسيدًا لا شبهة فيه. وإقرار الإِسلام لمثل هذا يحتسب له، ويشاد به من أهله.
أما الموقف الآخر فليس كذلك، لم يعد موقفًا شخصيًا خالصًا، ولم يعد الأمر فيه قاصرًا في آثاره على صاحبه؛ لقد دخل في الإِسلام طوعًا، فلماذا ارتد عنه؟ إنه أبسط سؤال يترتب على ردته؟ ، وهو سؤال ينطوي على كثير من التشكيك في الإِسلام، وإلا ففيم دخل