وثانيًا: علم أن الله يجمعهم على ما أراد كما قال: "يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر"، وهذا الذي عنيناه بالبديل عن الكتاب الذي فيه العصمة من الاختلاف، فالعصمة من الاختلاف قد تحققت لا بذلك الكتاب، بل ببديله الذي هو الإجماع التام المتحقق على خلافة الصديق - رضي الله عنه - وقد صرح بذلك سفيان بن عيينة بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يكتب الاستخلاف لأبي بكر، وذلك فيما رواه عنه البيهقي في (الدلائل) (٧/ ١٨٤)، وقال البيهقي أيضًا (٧/ ١٨٤): (وإنما أراد ما حكا سفيان بن عيينة عن أهل العلم قبله أن يكتب استخلاف أبي بكر ثم ترك كتبه اعتمادًا على ما علم من تقدير الله تعالى ذلك كما هم به في ابتداء مرضه حين قال: وارأساه، ثم بدا له أن لا يكتب، وقال: "يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر"، ثم نبه أمته على خلافته باستخلافه إياه في الصلاة حين عجز عن حضورها) اهـ. قال ابن كثيرٍ في السيرة النبوية (٤/ ٤٥٣): وقد خطب - صلى الله عليه وسلم - في يوم الخميس قبل أن يُقْبَضَ - صلى الله عليه وسلم - بخمسة أيامٍ خطبةً عظيمةً بَيَّنَ فيها فضل الصديق من بين سائر الأصحاب - رضي الله عنه - ولعل خطبته هذه كانت عوضًا عما أراد أن يكتبه في الكتاب؛ ولذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ومن تَوَهَّمَ أن هذا الكتاب كان بخلافة عليٍّ - رضي الله عنه - فهو ضالٌّ باتفاق عامة الناس، من علماء السنة والشيعة، أما أهل السنة فمتفقون على تفضيل أبي بكرٍ وتقديمه، وأما الشيعة القائلون بأن عليًّا كان هو المستحق للإمامة فيقولون: إنه قد نص على إمامته قبل ذلك نصًّا جليًّا ظاهرًا معروفًا، وحينئذٍ فلم يكن يحتاج إلى كتاب. منهاج السنة (٦/ ٢٥).