للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بطريق الآحاد، والذين وصلهم شيء منه من طريق التواتر؛ إنما هم أفراد قليلون في كل عصر.

الوجه الثامن: إذا كان من الواجب قبول قول المحدث الواحد في الحديث: إنه متواتر، وهو يستلزم الأخذ به في العقيدة؛ فكذلك يجب الأخذ بحديث كل محدث ثقة، وإثبات العقيدة به ولا فرق.

الوجه التاسع: أن تكليف المصدق بوجوب تصديق الراوي الذي يثق به في الأحكام دون العقيدة؛ هو أشبه شيء بالقول بتكليف ما لا يطاق.

ولذلك فإني أقطع بأن الذين يفرقون بين الأمرين؛ إنما يفرقون تفريقًا نظريًا ... ، وقد أشار إلى هذه الحقيقة: شريك بن عبد الله القاضي حين قيل له - وقد ذكروا له بعض أحاديث الصفات -: (إن قومًا ينكرون هذه الأحاديث! قال: فما يقولون؟ قالوا: يطعنون فيها، فقال: إن الذين جاءوا بهذه الأحاديث هم الذين جاءوا بالقرآن، وبأن الصلاة خمس، وبحج البيت، وبصوم رمضان - يعني تفاصيلهما -، فما نعرف الله إلا بهذه الأحاديث). (١)

وعن الإمام إسحاق بن راهويه - رحمه الله تعالى - قال: (دخلت على عبد الله بن طاهر فقال لي: يا أبا يعقوب، تقول: إن الله ينزل في كل ليلة! فقلت: أيها الأمير، إن الله بعث إلينا نبيا، نقل إلينا عنه أخبار، بها نحلل الدماء، وبها نحرم، وبها نحلل الفروج، وبها نحرم، فإن صح ذا صح ذاك، وإن بطل ذا بطل ذاك! قال: فأمسك عبد الله). (٢)

الوجه العاشر: أن التفريق بين العقيدة والأحكام العملية، وإيجاب الأخذ في هذه دون تلك؛ إنما بني على أساس أن العقيدة لا يقترن معها عمل، والأحكام لا يقترن معها عقيدة، وكلا الأمرين باطل! .

قال ابن القيم: المطلوب في المسائل العملية أمران: العلم، والعمل، والمطلوب في العلميات: العلم والعمل أيضا، وهو حب القلب وبغضه، وحبه للحق الذي دلت عليه وتضمنته، وبغضه الباطل الذي يخالفها، فليس العمل مقصورًا على عمل الجوارح، بل أعمال


(١) كتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد، والشريعة للآجري (٣٠٦).
(٢) رواه البيهقي في الأسماء والصفات (٤٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>