للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن الحدود تؤدي بالنسبة لأمن الناس وحريتهم وظيفة مزدوجة فهي من جانب تروع الخارجين ومن يشذون عن الدخول في السلم كافة ليأمن من قبلوا إعطاء السلم من جانبهم، ترويع لقلة من أجل تأمين الكثرة، وهي من جانب كذلك تهيأ مناخًا حرًا يتنفس فيه من عرف كيف يحترم حريات الآخرين، وفي الوقت نفسه تضيق الخناق وتطارد من يحدقون أنفسهم بالعدوان على حريات الناس وهل يحتاج المجتمع بعد الحرية الشاملة والأمن المطرد لشيء آخر لكي ينعم بالاستقرار والطمأنينة؟ ! (١)

والعجيب أن هؤلاء الغربيين الذين يرون في الحدود الإِسلامية شدة وقسوة لا تليق بعصرنا المتحضر، والذين يدعون إلى إلغاء عقوبة (القتل، والزنا، وقطع يد السارق. . . .) إلخ، هم أنفسهم يفعلون ما تشيب له الرءوس وتنخلع لهوله الأفئدة، فالحروب الهمجية التي يثيرونها، والأعمال الوحشية التي يقومون بها من قتل الأبرياء، والاعتداء على الأطفال والنساء، وتهديم المنازل على من فيها, لا تعتبر في نظرهم وحشية، ولقد أحسن الشاعر حين صوّر منطق هؤلاء الغربيين بقوله:

قتل امرئ في غابةٍ ... جريمةُ لا تغتفر

وقتلُ شعبٍ آمن ... مسألةً فيها نظر. (٢)

[درء الحدود بالشبهات]

الحد عقوبة من العقوبات، التي توقع ضررًا في جسد الجاني وسمعته، ولا يحل إستباحة حرمة أحد، أو إيلامه إلا بالحق، ولا يثبت هذا الحق إلا بدليل، الذي لا يتطرق إليه الشك، فإذا تطرق إليه الشك كان ذلك مانعًا من اليقين الذي تنبني عليه الأحكام، من أجل هذا كانت التهم والشكوك لا عبرة لها ولا اعتداد بها, لأنها مظنة الخطأ (٣)، فالحدود


(١) المصدر السابق.
(٢) تفسير آيات الأحكام للصابوني (١/ ٥٥٧).
(٣) فقه السنة (٣/ ١٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>