للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تدرأ بالشبهات قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن الحدود تدرء بالشبه (١)، لما ورد أن ماعزًا لما أقر بين يدي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالزنا لقنه الرجوع فقال -صلى اللَّه عليه وسلم- "ويحك! ارجع فاستغفر اللَّه وتب إليه" (٢).

وجاءته أيضًا امرأة من غامد فقال لها "ويحك! ارجعي فاستغفري اللَّه وتوبي إليه" (٣).

قال الإمام النووي: في تلقين النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- للمقر بالرجوع فيه استحباب تلقين المقر بحد الزنا والسرقة وغيرهما من حدود اللَّه تعالى، وأنه يقبل رجوعه عن ذلك؛ لأن الحدود مبنية على المساهلة الدرء بخلاف حقوق الآدميين وحقوق اللَّه تعالى المالية كالزكاة والكفارة لا يجوز التلقين فيها ولو رجع لم يقبل رجوعه، وقد جاء تلقين الرجوع عن الإقرار بالحدود عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وعن خلفاء الراشدين ومن بعدهم، واتفق العلماء عليه. (٤)

فعدم الإقرار شبهة في تطبيق الحد ومن الشبهات أيضًا عدم وجود بينة، فعنه -صلى اللَّه عليه وسلم- "لو رجمت أحدًا بغير بينه رجمتُ هذه" قال ابن عباس: تلك امرأة كانت تظهر في الإِسلام السوء. (٥)

قال المهلب: فيه أن الحد لا يجب على أحد بغير بينة أو إقرار ولو كان متهمًا بالفاحشة (٦).

وقال النووي: معنى تظهر السوء أنه اشتهر عنها وشاع، ولكن لم تقم البينة عليها بذلك ولا اعترفت، فدل على أن الحد لا يجب بالاستفاضة. (٧)

فالحد لا يقام بمجرد التهم، ولا شك أن إقامة الحد إضرار بمن لا يجوز الإضرار به وهو قبيح عقلًا وشرعًا، فلا يجوز منه إلا ما أجازه الشارع كالحدود والقصاص وما أشبه


(١) المغني (١٠/ ١٥٥)، والإجماع لابن المنذر (١١٣).
(٢) أخرجه مسلم (١٦٩٥).
(٣) المصدر السابق.
(٤) مسلم بشرح النووي (٦/ ٢١٦).
(٥) أخرجه البخاري (٦٨٥٦)، ومسلم (١٤٩٧).
(٦) فتح الباري (١٢/ ١٨٨).
(٧) المصدر السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>