والجواب ظاهر وهو أن آية تحريم الخمر ناسخة لقوله:{تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا}. الآية. ونسخها له هو التحقيق. وإنما قلنا إن التحقيق هو كون تحريم الخمر ناسخًا لإباحتها؛ لأن قوله:{تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا} يدل على إباحة الخمر شرعًا، فرفع هذه الإباحة المدلول عليها بالقرآن رفع حكم شرعي فهو نسخ بلا شك، ولا يمكن أن تكون إباحتها عقلية إلا قبل نزول هذه الآية كما هو ظاهر، ومعلوم عند العلماء أن الخمر نزلت في شأنها أربع آيات من كتاب اللَّه:
الأولى: هذه الآية الدالة على إباحتها.
الثانية: الآية التي ذكر فيها بعض معايبها، وأن فيها منافع وصرحت بأن إثمها أكبر من نفعها، وهي قوله تعالى:{قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا}، فشَرِبها بعد نزولها قوم للمنافع المذكورة، وترَكها آخرون للإثم الذي هو أكبر من المنافع.
الثالثة: الآية التي دلت على تحريمها في أوقات الصلاة دون غيرها، وهي قوله:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} الآية.
الرابعة: الآية التي حرمتها تحريمًا باتًا مطلقًا، وهي قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ} إلى قوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}، والعلم عند اللَّه تعالى.
وأما على قول من زعم أن السكر: الطعم، كما اختاره ابن جرير وأبو عبيدة، أو أنه الخل فلا إشكال في الآية. (١)
قلت: وسيأتي الكلام عن كيف حرمت الخمر وأنه حُرِّمَ تدريجيًا.
[الوجه الثالث: السنة حرمت الخمر.]
وفي ذلك أحاديث كثيرة ثابتة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- منها.
(١) دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب (١٣٢ - ١٣٤) بتصرف.