يجعلونه مستمسكًا لهم في ارتيابهم، فلما لم يُنقل لنا ذلك دلّ على عدم وقوعه أصلًا.
[الوجه الرابع: ولكن دعنا نفترض أن المباشر للكتابة هو النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهل يخرجه ذلك عن أميته؟]
يجيب الإمام الذهبي فيقول: فما خرج عن كونه أمِّيا بكتابة اسمه الكريم، فجماعة من الملوك ما علموا من الكتابة سوى مجرد العلامة، وما عدهم الناس بذلك كاتبين، بل هم أمِّيون، فلا عبرة بالنادر، وإنما الحكم للغالب، والله تعالى فمن حكمته لم يلهم نبيه تعلم الكتابة، ولا قراءة الكتب حسمًا لمادة المبطلين، كما قال تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (٤٨)} (العنكبوت: ٤٨).
ثم ما المانع من تعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - كتابة اسمه واسم أبيه مع فرط ذكائه، وقوة فهمه، ودوام مجالسته لمن يكتب بين يديه الوحي والكتب إلى ملوك الطوائف، ثم هذا خاتمه في يده، ونقشه: محمد رسول الله، فلا يظن عاقل، أنه - صلى الله عليه وسلم - ما تعقل ذلك، فهذا كله يقتضي أنه عرف كتابة اسمه واسم أبيه، وقد أخبر الله بأنه - صلى الله عليه وسلم - ما كان يدري ما الكتاب؟ ثم علمه الله تعالى ما لم يكن يعلم، فلما بلغ الرسالة، ودخل الناس في دين الله أفواجا، شاء الله لنبيه أن يتعلم الكتابة النادرة التي لا يخرج بمثلها عن أن يكون أميًا. ثم هو القائل:"إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب".
فصدق إخباره بذلك، إذ الحكم للغالب، فنفى عنه وعن (أمته) الكتابة والحساب لندور ذلك فيهم وقلته، وإلا فقد كان فيهم كتاب الوحي وغير ذلك، وكان فيهم من يحسب، وقال تعالى:{وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ}(الإسراء: ١٢)، ومن علمهم الفرائض، وهي تحتاج إلى حساب وعول، وهو - صلى الله عليه وسلم - فنفى عن الأمة الحساب. فعلمنا أن المنفي كمال علم ذلك ودقائقه التي يقوم بها القبط والأوائل؛ فإن ذلك ما لم يحتج إليه دين الإسلام ولله الحمد؛ فإن القبط عمقوا في الحساب والجبر، وأشياء تضيع الزمان، وأرباب الهيئة تكلموا في سير النجوم، والشمس، والقمر، والكسوف، والقرآن بأمور طويلة لم يأت الشرع بها، فلما ذكر - صلى الله عليه وسلم - الشهور ومعرفتها، بين أن معرفتها ليست بالطرق التي يفعلها المنجم وأصحاب التقويم، وأن ذلك لا نعبأ به في ديننا، ولا نحسب الشهر بذلك أبدًا. ثم