ما لا يريبه، فلما أخبره بأن نفسه تتبعها وأنه لا صبر له عنها رأى مصلحة إمساكها أرجح من مفارقتها لما يكره من عدم انقباضها عمن يلمسها، فأمره بإمساكها، وهذا لعله أرجح المسالك، واللَّه أعلم.
وباختصارٍ بليغٍ يبين أنه لا تعارض بين الآية والحديث فيقول: ولا يعارض ذلك حديث ابن عباسٍ قال: جاء رجل إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: إن امرأتي لا تمنع يد لامسٍ قال: "غربها"، قال: أخاف أن تتبعها نفسي، قال:"فاستمتع بها".
وقال: فإنه في الاستمرار على نكاح الزوجة الزانية، والآية في ابتداء النكاح فيجوز للرجل أن يستمر على نكاح من زنت وهي تحته، ويحرم عليه أن يتزوج بالزانية. (١)
وذكر الصنعاني المسألة باختصارٍ وأن الاختلاف فيها على قولين:
الأول: أن معناه الفجور؛ وأنها لا تمنع من يريد منها الفاحشة. وهذا قول أبي عبيد، والخلال، والنسائي، وابن الأعرابي، والخطابي، واستدل به الرافعي على أنه لا يجب تطليق من فسقت بالزنا إذا كان الرجل لا يقدر على مفارقتها.
والثاني: أنها تبذر بمال زوجها، ولا تمنع أحدًا طلب منها شيئًا منه، وهذا قول أحمد والأصمعي ونقله عن علماء الإسلام، وأنكر ابن الجوزي على من ذهب إلى الأول. قال في النهاية: وهو أشبه بالحديث؛ لأن المعنى الأول يشكل على ظاهر قوله تعالى:{وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}، وإن كان في معنى الآية وجوهٌ كثيرةٌ:
قلت: الوجه الأول في غاية من البعد، بل لا يصح للآية، ولأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يأمر الرجل أن يكون ديوثًا فحمله على هذا لا يصح.
والثاني: بعيدٌ؛ لأن التبذير إن كان بمالها فمنعها ممكن، وإن كان من مال الزوج فكذلك ولا يوجب أمره بطلاقها على أنه لم يتعارف في اللغة أن يقال: فلان لا يرد يد لامس كناية عن الجود.
(١) إعلام الموقعين عن رب العالمين (٤/ ٣٤٨)، وزاد المعاد (٥/ ١٠٤). على قول من قال: إن المرأة كانت لا ترد من أراد الفاحشة منها، وقد رجح ابن القيم خلافه.