للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٢/ ٤٤)، يقول يوحنا ذهبي الفم: "من ذا لا يتعجب عندما يرى الله جائيًا ومصليًا" (١).

ومن تضرعه واستغاثته بربه، ما ذكره يوحنا عن حال المسيح -عليه السلام- عندما أحيا لعازر" ورفع يسوع عينيه إلى فوق وقال: أيها الآب أشكرك، لأنك سمعت لي، وأنا علمت أنك في كل حين تسمع لي، ولكن لأجل هذا الجمع الواقف قلت، ليؤمنوا أنك أرسلتني" (يوحنا ١١ - ٤٠/ ٤١).

والتضرع والعبادة نوع من دلائل العبودية لا يجوز نسبته إلى الله أو للمتحد معه؛ إذ الأناجيل شهدت بعبوديته والتزامه بناموس موسى -عليه السلام- في سائر أحواله.

ويتحدث بولس عن انتصار المسيح -عليه السلام- على الكل بما فيهم الموت، ثم يذكر خضوعه بعد ذلك لله، فيقول: "متى أخضع له الكل، فحينئذ الابن نفسه أيضًا سيخضع للذي أخضع له الكل (لله)، كي يكون الله الكل في الكل" (كورنثوس (١) ١٥/ ٢٨). قلت: من تلك النصوص يظهر مدى اهتمام عيسى بالصلاة لله عز وجلَّ، وأن الصلاة كانت عبادة محببة له ومفزع يلجأ إليه عند الملمات، وأنه كان في الغالب يصعد للهضاب؛ ليصلي لوحده منفردًا، يقضي بذلك أحيانًا أكثر الليل وأكثر النهار أيضًا.

ونسأل القارىء المنصف: هل الله تعالى يصلي؟ ؟ وإن صلَّى فلمن يصلي؟ ألنفسه؟ ! وهل هذا يمكن أن يقول به مجنونٌ فضلًا عن عاقل؟ ! إذن أليست تلك النصوص دلائل بينة وقاطعة على نفي إلهية عيسى وتأكيد عبوديته لله الواحد القهار؟ ؟

القسم الرابع: الله تعالى أعظم من المسيح: (١) في إنجيل يوحنا (١٤/ ٢٨) يقول السيد المسيح -عليه السلام- لتلاميذه: "سَمِعْتُمْ أَنِّي قُلْتُ لَكُمْ: أَلا أَذْهَبُ ثُمَّ آتِي إِلَيْكُمْ. لَوْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي لَكُنْتُمْ تَفْرَحُونَ لَأَنِّي قُلْتُ أَمْضِي إِلَى الآبِ، لأَنَّ أَبِي أَعْظَمُ مِنِّي." قلت: الجملة الأخيرة صريحة في نفي عيسى -عليه السلام- الألوهية عن نفسه؛ لأنه لو كان إلها -كما يدعون- لكان كاملًا مطلقًا، والكامل المطلق لا يوجد من هو أعظم منه، في حين أن المسيح -عليه السلام-


(١) الرأي الصريح في طبيعة ومشيئة المسيح، القمص غبريال عبد المسيح ص (٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>