للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١ - لما ورد في سياق القصة أنها قالت فازددت مرضا على مرضي.

٢ - وقالت: فبكيت ليلتي هذه لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم.

٣ - وقولها بعد ذلك: فبكيت يومي هذا وليلتي تلك وأصبح أبواي عندي وهما يظنان أن البكاء فالق كبدي. أفبعد هذا كله تتهم أنها لم تتأثر بما فعلت لقوة شخصيتها فأي شخصية أمام هذا الاتهام الجائر لهذه الجارية في هذا السن؟

ثانيا - فَإِنْ قِيلَ فَمَا بَالُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - تَوَقّفَ فِي أَمْرِهَا وَسَأَل عَنْهَا وَبَحَثَ وَاسْتَشَارَ وَهُوَ أَعْرَفُ بِالله وَبِمَنْزِلَتِهِ عِنْدَهُ وَبِمَا يَلِيقُ بِهِ وَهَلّا قَالَ {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} كَمَا قَالَهُ فُضَلَاءُ الصّحَابَةِ؟

فَالْجَوَابُ: ١ - أَنّ هَذَا مِنْ تَمَامِ الحِكَمِ الْبَاهِرَةِ الّتِي جَعَلَ الله هَذِهِ الْقِصّةَ سَبَبًا لَهَا وَامْتِحَانًا وَابْتِلَاءً لِرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلِجَمِيعِ الْأُمّةِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِيَرْفَعَ بِهَذِهِ الْقِصّةِ أَقْوَامًا وَيَضَعَ بِهَا آخَرِينَ وَيَزِيدُ الله الّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَإِيمَانًا وَلَا يَزِيدُ الظّالمِينَ إلّا خَسَارًا فَاقْتَضَى تَمَامُ الامْتِحَانِ وَالابْتِلَاءِ أَنْ حُبِسَ عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - الْوَحْيُ شَهْرًا فِي شَأْنِهَا لَا يُوحَى إلَيْهِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ لِتَتِمّ حِكْمَتُهُ الّتِي قَدّرَهَا وَقَضَاهَا وَتَظْهَرَ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ.

٢ - وَلتَتِمّ الْعُبُودِيّةُ المُرَادَةُ مِنْ الصّدّيقَةِ وَأَبَوَيْهَا، وَتَتِمّ نِعْمَةُ الله عَلَيْهِمْ.

٣ - وَلتَشْتَدّ الْفَاقَةُ وَالرّغْبَةُ مِنْهَا وَمنْ أَبَوَيْهَا وَالافْتِقَارُ إلَى الله وَالذّلّ لَهُ وَحُسْنُ الظّنّ بِهِ وَالرّجَاءُ لَهُ وَليَنْقَطِعَ رَجَاؤُهَا مِنْ المَخْلُوقِينَ وَتَيْأَسَ مِنْ حُصُولِ النّصْرَةِ وَالْفَرَجِ عَلَى يَدِ أَحَدٍ مِنْ الْخَلْقِ، وَلِهَذَا وَفّتْ هَذَا الْمَقَامَ حَقّهُ لمّا قَالَ في أَبَوَاهَا: قُومِي إلَيْهِ وَقَدْ أَنْزَلَ الله عَلَيْهِ بَرَاءَتهَا فَقَالَتْ: وَالله لَا أَقُومُ إلَيْهِ وَلَا أَحْمَدُ إلّا الله، هُوَ الّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي.

٤ - وَأَيْضًا فَكَانَ مِنْ حِكْمَةِ حَبْسِ الْوَحْيِ شَهْرًا أَنّ الْقَضِيّةَ مُحّصَتْ، وَتَمحّضَتْ وَاسْتَشْرَفَتْ قُلُوبَ المُؤْمِنِينَ أَعْظَمَ اسْتِشْرَافٍ إلَى مَا يُوحِيهِ الله إلَى رَسُولِهِ فِيهَا وَتَطَلّعَتْ إلَى ذَلِكَ غَايَةَ التّطَلّعِ فَوَافَى الْوَحْيَ أَحْوَجَ مَا كَانَ إلَيْهِ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَأَهْلُ بَيْتِهِ وَالصّدّيقُ وَأَهْلُهُ وَأَصْحَابُهُ وَالمُؤْمِنُونَ، فَوَرَدَ عَلَيْهِمْ وُرُودَ الْغَيْثِ عَلَى الْأَرْضِ أَحْوَجَ مَا كَانَتْ إلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>