للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الوجه العاشر: قصة الذبيح رؤيا نوم، وبيان الحكمة من ذلك.]

قال الآلوسي: وفي كلام التوراة التي بأيدي اليهود اليوم ما يرمز إلى أن الأمر بالذبح كان ليلًا فإنه بعد أن ذكر قول الله تعالى له -عليه السلام- خذ ابنك وامض إلى بلد العبادة وأصعده ثم قربانًا على أحد الجبال الذي أعرفك به قيل فأدلج إبراهيم بالغداة .. إلخ فالأمر إما منامًا وإما يقظةً لكن وقع تأكيدا لما في المنام إذ لا محيص عن الإيمان بما قصه الله تعالى علينا فيما أعجز به الثقلين من القرآن والجزم بكونه في النام لا غير إذ لا يعول على ما في أيدي اليهود وليس في الأخبار الصحيحة ما يدل على وقوعه يقظة أيضًا (١).

[الحكمة من ورود هذا التكليف في النوم لا في اليقظة.]

الأول: إن هذا الابتلاء إنما برز في صورة الوحي المنامي إكرامًا لإبراهيم عن أن يزعج بالأمر بذبح ولده بوحي في اليقظة لأن رؤى المنام يعقبها تعبيرها إذ قد تكون مشتملة على رموز خفية وفي ذلك تأنيس لنفسه لتلقي هذا التكليف الشاق عليه وهو ذبح ابنه الوحيد (٢).

وحول ذلك يقول الإمام الرازي:

أن هذا التكليف كان في نهاية المشقة على الذابح والمذبوح، فورد أولًا في النوم حتى يصير ذلك كالمنبه لورود هذا التكليف الشاق، ثم يتأكد حال النوم بأحوال اليقظة، فحينئذٍ لا يهجم هذا التكليف دفعة واحدة بل شيئًا فشيئًا (٣).

الثاني: أن تكون المبادرة إلى الامتثال أدل على كمال الانقياد وتمام الإخلاص (٤).

الثالث: أن الله تعالى جعل رؤيا الأنبياء عليهم السلام حقًّا، فكما أرى يوسف -عليه السلام- سجود أبويه وأخوته في المنام فقال على لسان يوسف -عليه السلام-: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (٤)} [يوسف: ٤]، وكما وعد رسوله -صلى الله عليه وسلم- دخول المسجد


(١) روح المعاني ٢٣/ ١٢٨.
(٢) التحرير والتنوير ٢٣/ ١٥١.
(٣) الرازي في تفسيره ٢٣/ ١٥٦، الخازن في تفسيره ٤/ ٢٣.
(٤) البيضاوي في تفسيره (٥٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>