(البقرة: ٢٤٠) منسوخة على قول أهل التأويل -لا نعلم بينهم خلافًا- بالآية التي قبلها {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}(البقرة: ٢٣٤).
الوجه الثالث: ومن العلماء من قال الآية محكمة ولم يكن له -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يتزوج سوي من كان عنده ثوابًا من اللَّه تعالى لهن حين اخترن اللَّه ورسوله والدار الآخرة. وهذا معناه أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- حظر عليه أن يتزوج على نسائه لأنهن اخترن اللَّه -جل وعز- ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- والدار الآخرة فعوضن؛ هذا قول الحسن، وابن سيرين، وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وهذا القول يجوز أن يكون هكذا ثم نسخ. فإن قال: كيف يجوز أن ينسخ ما كان ثوابًا؟ قيل: يجوز أن ينسخ ما كان ثوابًا بما هو أعظم منه في الثواب، فيكون هذا نسخ وعوض منه أنهن أزواجه في الجنة فهذا أعظم خطرًا وأجل مقدارًا، كما قال: حذيفة لامرأته: لا تزوجي بعدي فإن آخر أزواج المرأة زوجها في الجنة، ولذلك حظر على نساء النبي أن يتزوجن بعده. (١)
وقال الطحاوي: ولما استحالت هذه الأقوال التي ذكرنا استحالتها لم يبق بعدها مما قيل في تأويل هذه الآية إلا ما قد رويناه فيه عن محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وعن الحسن، وابن سيرين؛ في أنها على أن لا يتزوج سوى نسائه التسع، فقال قائل: وكيف يكون ذلك كذلك وإنما كان اللَّه قصره عليهن شكرًا منه لهن على اختيارهن اللَّه ورسوله والدار الآخرة، فكيف يجوز أن ينزع ذلك منهن؟ فكان جوابنا له في ذلك أنه قد يحتمل أن يكون اللَّه كان قد جعل ذلك لهن شكرًا على ما كان منهن مما ذكر من اختيارهن اللَّه ورسوله والدار الآخرة على الدنيا، ثم أباح لنبيه بعد ذلك تزويج غيرهن فلم يشأ ذلك، وحبس نفسه عليهن شاكرًا لهن ما كان منهن من اختيارهن اللَّه -تعالى- وإياه والدار الآخرة على الدنيا ليشكر اللَّه ذلك له فيكون عليه مشكورًا منه، ويكون نساؤه اللاتي كن قصر عليهن ومنع من سواهن رضوان اللَّه عليهن باقيات فيما كن عليه من حبس اللَّه -