قال ابن كثير في تفسير الآية الأولى: أي: لا تكرهوا أحدًا على الدخول في دين الإسلام، فإنه بين واضح جلي دلائله وبراهينه لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه.
وسبب نزول الآية -كما ذكر المفسرون - يبين لنا جانبًا من إعجاز هذا الدين، فقد رووا عن ابن عباس قال: كانت المرأة تكون مقلاة - قليلة النسل - فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده، كان يفعل ذلك نساء الأنصار في الجاهلية، فلما أجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار فقال آباؤهم: لاندع أبناءنا. يعنون: لا ندعهم يعتنقون اليهودية، فأنزل الله عز وجل هذه الآية:{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}(١).
وكذلك صان الإسلام لغير المسلمين معابدهم، ورعى حرمة شعائرهم؛ بل جعل القرآن من أسباب الإذن في القتال حماية حرية العبادة، وذلك في قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} (الحج: ٣٩ - ٤٠).
وقد رأينا كيف اشتمل عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أهل نجران أن لهم جوار الله، وذمة رسوله على أموالهم وملتهم وبيعهم.
(١) نسبه ابن كثير إلى ابن جرير قال: قد رواه أبو داود والنسائي، وابن أبي حاتم، وابن حبان في صحيحه، وهكذا ذكر مجاهد، وسعيد بن جبير، والشعبي، والحسن البصري، وغيرهم أنها نزلت في ذلك. تفسير ابن كثير ١/ ٣١٠.