للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذًا معنى كلمة اقرأ في قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١)} [العلق: ١] هو مجرد فعل القراءة وليس التبليغ كما يُدَّعي؛ لأن الفعل قد جاء مكسور الهمزة من قرأ -يقرأ اقترأ الكتاب، بمعنى نطق بالمكتوب فيه، وألقى النظر عليه وطالعه، وقرأ الكتاب، تتبع ما فيه، وقرأ الآية نطق بها (١).

إذًا فلا يشترط أن تكون القراءة من كتاب، بل تجوز القراءة عن طريق المشافهة والسماع، كما يقال قرأ فلان على فلان مع أن أحدهما قد يكون أعمى.

واقرأ اسم تفضيل من قرأ أي أجود قراءة، واستقرأه طلب منه أن يقرأ، والقرّاء الحسن القراءة (٢).

٢ - وبعد هذا؛ فإن فعل اقرأ في أول سورة العلق لم يكن المراد به الأمر بالتبليغ، فلو كان دالًا على التبليغ فيجب أن يأتي من:

أقرأ -يقرئ- أقرئ، وذلك بإيراد همزة التعدية نقول أقرأ فلانًا السلام، واقرأه إياه، أي بلغه، وفي الحديث عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا يا عائش هذا جبريل يقرئك السلام. (٣).

قال الزمخشري: ولا يقال اقرأ سلامي على فلان بل أقرئه (٤).

ونستدل من ذلك أن قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} يراد منه الأمر بالقراءة ولا يراد منه التبليغ؛ لأنه لو كان ذلك لوجب أن يقول أقرئ، ويكون المحذوف هو مفعول الفعل طلبًا للاختصار.

وورد في لسان العرب أقرأ غيره إقراء، ومنه قوله تعالى {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (٦)} (٥).

٣ - والواقع لو كان معنى اقرأ في آية العلق بلَّغ، لاستوعبه الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأول وهلة، ولم يحتج -وهو على صواب- بأنه غير قادر على القراءة عندما خاطبه جبريل عليه السلام لأول مرة: ما


(١) المنجد في اللغة والأعلام (٦١٧).
(٢) المعجم الوسيط ٢/ ٢٥٣.
(٣) البخاري ٣/ ١٣٧٤.
(٤) أساس البلاغة مادة ق ر أ.
(٥) لسان العرب مادة: قرأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>