للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما إنكار الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث جابر أن عمر بن الخطاب أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بكتاب أصابه من بعض أهل الكتب فقرأه النبي - صلى الله عليه وسلم - فغضب وقال: "أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الخطَّاب وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً لَا تَسْألوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى - صلى الله عليه وسلم - كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي" (١).

وإنكار بعض الصحابة - كابن عباس نفسه - على من كانوا يرجعون إلى أهل الكتاب بقوله - كما في البخاري: يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب وكتابكم الذي أنزل على نبيه - صلى الله عليه وسلم - أحدث الأخبار بالله، تقرؤونه لم يشمب، وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب بدلوا ما كتب الله، وغيروا بأيديهم الكتاب، فقالوا هو من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا، أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مساءلتهم، ولا والله ما رأينا منهم رجلًا قط يسألكم عن الذي أنزل عليكم.

هذا الإنكار لا يعارض الجواز والإذن الثابت في نصوص أخرى، لأنه كان في مبدأ الإسلام، وقبل استقرار الأحكام، وأما الإباحة فجاءت بعد أن عرفت الأحكام واستقرت، وذهب خوف الاختلاط والتشويش.

قال الحافظ حجر: وكأن النهي وقع قبل استقرار الأحكام الإسلامية، والقواعد الدينية، خشية الفتنة، ثم لما زال المحذور وقع الإذن في ذلك، لما في سماع الأخبار التي كانت في زمانهم من الاعتبار (٢).

خامسًا: ومما يدل أيضًا على أن الصحابة لم يكونوا يتلقفون كل ما يصدر عن أهل الكتاب دون نقد وتمحيص تلك المراجعات العديدة.

والردود العلمية على بعض أهل الكتاب، في أمور أنكروها، وردوا عليهم خطأهم فيها. ومن ذلك ما رواه البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر يوم الجمعة فقال: "فيها ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله تعالى شيئًا إلا أعطاه الله


(١) مسند أحمد (٣٦/ ٣٨٧)، شعب الإيمان (١/ ١٩٩)، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح (١٧٧).
(٢) مجلة المنار (٢٦/ ١/ ٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>