للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الحِكَم والغايات الحميدة فلم يكن بد من إخراجه من الجَنَّة إلى دار قد أسكناها قبل أن يخلقه وكان ذلك التقدير بأسباب وحكم فمن أسبابه النهي عن تلك الشجرة وتخليته بينه وبين عدوه حتى وسوس إليه بالأكل وتخليته بينه وبين نفسه حتى وقع في المعصية.

الوجه الثاني: أليس في ابتلاء آدم بالذنب سبب لسعادته؟ فخرج من الجَنَّة ليعود إليها على أحسن الأحوال؟ .

وكانت تلك الأسباب موصلة إلى غايات محمودة مطلوبة تترتب على خروجه من الجَنَّة ثم يترتب على خروجه أسباب أخر جعلت غايات لحِكم ومن تلك الغايات عوده إليها على أكمل الوجوه. (١)

فإن الله سبحانه لما اهبط آدم أبا البشر من الجَنَّة لما له في ذلك من الحكم التي تعجز العقول عن معرفتها والألسن عن صفتها فكان إهباطه منها عين كماله ليعود إليها على أحسن أحواله. (٢)

الوجه الثالث: لم يكن خروج آدم - عَلَيْهِ السَّلَام - من الجَنَّة عقوبة، فقد تاب الله عليه.

لم يكن إخراج الله تعالى آدم من الجَنَّة وإهباطه منها عقوبة له؛ لأنه أهبطه بعد أن تاب عليه وقَبِلَ توبته وإنما أهبطه إما تأديبًا وإما تغليظًا للمحنة.

والصحيح في إهباطه وسكناه في الأرض ما قد ظهر من الحكمة الأزلية في ذلك وهي نشر نسله فيها ليكلفهم ويمتحنهم ويرتب على ذلك ثوابهم وعقابهم الأخروي إذ الجَنَّة والنار ليستا بدار تكليف فكانت تلك الأكلة سبب إهباطه من الجَنَّة، ولله أن يفعل ما يشاء (٣).

وبُلي الحبيب بالذنب فاعترف وتاب وندم وتضرع واستكان وفزع إلى مفزع الخليقة وهو التوحيد والاستغفار فأزيل عنه العتب وغفر له الذَّنْبَ وقبل منه المتاب وفتح له من الرحمة والهداية كل باب ونحن الأبناء ومن أشبه أباه فما ظلم ومن كانت شيمته التوبة


(١) شفاء العليل لابن القيم ص ٢٤١.
(٢) مفتاح دار السعادة ١/ ٣.
(٣) تفسير القرطبي ١/ ٢١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>