للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كثير من العلماء - والله أعلم - وله - صلى الله عليه وسلم - من الآيات الدالة على نبوته وصدقه فيما جاء به ما لا يدخل تحت حصر ولله الحمد والمنة (١).

وقد انطوى كتاب الله العزيز على وجوه كثيرة من وجوه الإعجاز: ذلك أن القرآن الكريم معجز في بنائه التعبيري، وتنسيقه الفني باستقامته على خصائص واحدة في مستوى واحد، لا يختلف ولا يتفاوت ولا تختلف خصائصه، معجز في بنائه الفكري، وتناسق أجزائه وتكاملها، فلا فلتة فيه ولا مصادفة، كل توجيهاته وتشريعاته تتناسب وتتكامل وتحيط بالحياة البشرية دون أن تصطدم بالفطرة الإنسانية، معجز في يسر مداخله إلى القلوب والنفوس، ولمس مفاتيحها، وفتح مغاليقها، واستجاشة مواضع التأثر والاستجابة فيها.

قال الحافظ ابن حجر: وَقَدْ جَمَعَ بَعْضهمْ إِعْجَاز الْقُرْآن فِي أَرْبَعَة أَشْيَاء: أحدها: حُسْن تَأْلِيفه وَالْتِئَام كَلِمه مَعَ الْإِيجَاز وَالْبَلَاغَة. ثانيها: صُورَة سِيَاقه وَأُسْلُوبه المُخَالِف لِأَسَالِيب كَلَام أَهْل الْبَلَاغَة مِنْ الْعَرَب نَظْمًا وَنَثْرًا؛ حَتَّى حَارَتْ فِيهِ عُقُولهمْ، وَلَمْ يَهْتَدُوا إِلَى الْإِتْيَان بِشَيْءٍ مِثْله، مَعَ تَوَفُّر دَوَاعِيهمْ عَلَى تَحْصِيل ذَلِكَ وَتَقْرِيعه لَهُمْ عَلَى الْعَجْز عَنْهُ. ثالثهما: مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِخْبَار عَمَّا مَضَى مِنْ أَحْوَال الْأُمَم السَّالِفَة، وَالشَّرَائِع الدَّاثِرَة مِمَّا كَانَ لَا يَعْلَم مِنْهُ بَعْضه إِلَّا النَّادِر مِنْ أَهْل الْكِتَاب. رَابعها: الْإِخْبَار بِمَا سَيَأْتِي مِنْ الْكَوَائِن الَّتِي وَقَعَ بَعْضهَا فِي الْعَصْر النَّبوِيّ وَبَعْضهَا بَعْده، وَمنْ غَيْر هَذه الْأَرْبَعَة آيَات وَرَدَتْ بِتَعْجِيزِ قَوْم فِي قَضَايَا، أَنَّهُمْ لَا يَفْعَلُونَه فَعَجَزُوا عَنْهَا مَعَ تَوَفُّر دَوَاعِيهمْ عَلَى تَكذِيبه، كَتَمَنِّي الْيَهود الموْت، وَمنْهَا الرَّوْعَة الَّتِي تَحْصل لِسَامِعِهِ، وَمنْهَا أَنَّ قَارِئَهُ لَا يَمَلّ مِنْ تَرْدَاده، وَسَامِعه لَا يَمُجّهُ، وَلَا يَزْدَاد بِكَثْرَةِ التَّكرَار إِلَّا طَرَاوَة وَلَذَاذَة. وَمنْهَا أَنَّهُ آيَة بَاقِيَة لَا تُعْدَم مَا بَقِيَتْ الدُّنْيَا، وَمِنْهَا جَمْعه لِعُلُومِ وَمَعَارِف لَا تَنْقَضِي عَجَائِبهَا، وَلَا تَنتهِي فَوَائِدهَا. (٢)

ثانيًا: الإسراء والمعراج:


(١) تفسير ابن كثير (١/ ٩٢).
(٢) انظر فتح الباري لابن حجر (٨/ ٦٢٤: ٦٢٣)، والشفا للقاضي عياض (٢٦٠ - ٢٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>