للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد النزع، وهذا يفيد أن الحكاية ههنا مختصرة حيث لم يشر إلى صرعهم وخلو منازلهم عنهم بالكلية، فإن حال الانقعار لا يحصل الخلو التام إذ هو مثل الشروع في الخروج والأخذ فيه.

ثالثها: تنزعهم نزعًا بعنف كأنهم أعجاز نخل تقعرهم فينقعروا إشارة إلى قوتهم وثباتهم على الأرض، وفي العنى وجوه: أحدها: أنه ذكر ذلك إشارة إلى عظمة أجسادهم وطول أقدادهم، ثانيها: ذكره إشارة إلى ثباتهم في الأرض، فكأنهم كانوا يعملون أرجلهم في الأرض ويقصدون المنع به على الريح، وثالثها: ذكره إشارة إلى يبسهم وجفافهم بالريح، فكانت تقتلهم وتحرقهم ببردها المفرط فيقعون كأنهم أخشاب يابسة. (١)

قوله: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} أي كأنهم أصول نخل خالية الأجواف لا شيء فيها، ثم يحتمل أنهم شبهوا بالنخيل التي قلعت من أصلها، وهو إخبار عن عظيم خلقهم وأجسامهم ويحتمل أن يكون المراد به الأصول دون الجذوع، أي أن الريح قد قطعتهم حتى صاروا قطعًا ضخامًا كأصول النخل. وأما وصف النخل بالخواء، فيحتمل أن يكون وصفًا للقوم؛ فإن الريح كانت تدخل أجوافهم فتصرعهم كالنخل الخاوية الجوف، ويحتمل أن تكون الخالية بمعنى البالية لأنها إذا بليت خلت أجوافها، فشبهوا بعد أن أهلكوا بالنخيل البالية. (٢)

الوجه الثالث: في قوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} إنما ذكر رعاية للفواصل. (٣)

قال ههنا: منقعر فذكر النخل، وقال في سورة الحاقة {أَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} فأنثها، قال المفسرون في تلك السورة كانت أواخر الآيات تقتضي ذلك لقوله عز وجل {مُسْتَمِرٌّ}، ومنهم ومنتشر، وجواب حسن؛ فإن الكلام كما يزين بحسن المعنى يزين بحسن اللفظ. (٤)

* * * *


(١) التفسير الكبير للرازي (٢٩/ ٤٧).
(٢) السابق (٣٠/ ١٠٥).
(٣) تفسير الرازي (٤٨٩)، وانظر البحر المحيط لأبي حيان (٨/ ١٧٨).
(٤) تفسير الرازي (٢٩/ ٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>