للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناس بشيء موجود؟

لو كان القرآن مأخوذًا من التوراة والإنجيل والكتب السابقة، لما استطاع محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يتحدى الناس ويقدم على هذا الخطأ الفادح؛ لأن هذه الأصول المنقول عنها موجودة في متناول أيدي الجميع، فلماذا يتحدى الناس بشيء موجود، ألا يخشى أن يقوم بعض الناس بالرجوع إلى مراجعه والعمل مثل عمله، فينكشف؟ .

ثم هذه الأساطير والمراجع ليست خاصة بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، بل هي كتب متداولة بيد الجميع، فلماذا لا تحضرون لنا هذه الكتب التي نقل منها؟ .

وعلى فرض تعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - من نصارى الشام ويهود المدينة وغيرهم، لا يتفق مع الحقيقة التاريخية التي تحدثنا عن الحيرة والتردد في موقف المشركين من رسول الله في محاولتهم لتفسير ظاهرة الرسالة؛ لأن مثل هذه العلاقة مع النصارى أو اليهود لا يمكن التستر عليها أمام أعداء الدعوة من المشركين وغيرهم، الذين عاصروه وعرفوا أخباره وخبروا حياته العامة بما فيها من سفرات ورحلات (١).

[الوجه السابع عشر: القرآن لم يأت لهدم كل شيء؛ بل لتصحيح الخطأ وإقرار الحق.]

إن وجود بعض الشرائع في القرآن، التي تتفق مع ما في التوراة والإنجيل، أو حتى ما عند العرب ليس في هذا دليل على أنه مأخوذ منها، فالقرآن لم يأت لهدم كل شيء؛ بل لتصحيح الخطأ وإقرار الحق، فالصدق والشجاعة والكرم والحلم والرحمة والعزة كل هذه المعاني موجودة عند كفار مكة ومع هذا جاء الإسلام ولم يغير منها شيئا بل باركها وحث عليها، لذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ" (٢)، ولم يقل: لأنشئها؛ إذن ليس من الضروري لكتاب هداية من هذا القبيل، أن يشجب كل الوضع الذي كانت الإنسانية عليه قبله حتى يثبت صحة نفسه، فمن الطبيعي أن يقر القرآن بعض الشرائع، سواء في الكتب السابقة السماوية، أو في عادات الناس وأعرافهم، وأما الخطأ فإنه لا يقره، وقد نص القرآن على هذا المعنى في مثل قوله تعالى: {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ


(١) الرد على الطاعنين ص - ٢٢٤.
(٢) أخرجه أحمد ٢/ ٣٨١ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (٢٣٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>