للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكنسته، فأهويت بالمكنسة تحت السرير فأخرجت الجرو، فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - ترعد لحيته، وكان إذا نزل عليه الوحي أخذته الرعدة، فأنزل الله {وَالضُّحَى} إلى قوله {فَتَرْضَى} (١).

قال ابن حجر: قصة إبطاء جبريل بسبب الجرو مشهورة لكن كونها سبب نزول الآية غريب، وفي إسناده من لا يعرف فالمعتمد ما في الصحيح (٢).

مثال آخر: عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما هاجر إلى المدينة أمره الله أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود، فاستقبلها بضعة عشر شهرًا وكان يحب قبلة إبراهيم، فكان يدعو الله وينظر إلى السماء، فأنزل الله: {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}. فارتاب من ذلك اليهود وقالوا - ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها، فأنزل الله: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ}، وقال: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}.

وعن ابن عمر قال: نزلت {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} أن تصلي حيثما توجهت بك راحلتك في التطوّع.

ومن حديث عامر بن ربيعة قال: كنا في سفر في ليلة مظلمة فلم ندر أين القبلة، فصلى كل رجل منا على حياله، فلما أصبحنا ذكرنا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنزلت.

فالحديث الأول صحيح الإسناد وهو الذي صرح فيه بذكر السبب فهو المعتمد (٣).

[المسألة الرابعة: أن يستوي الإسنادان في الصحة]

فيرجح أحدهما بكون راويه حاضر القصة أو نحو ذلك من وجوه الترجيحات.

مثال: عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: كنت أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة وهو يتوكأ على عسيب، فمر بِنَفَرٍ مِنْ الْيَهُودِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لو سألتموه! فقالوا: حدثنا عن الروح. فقام ساعة ورفع رأسه، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ حَتَّى صَعِدَ الْوَحْيُ، ثُمَّ قَالَ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ


(١) المعجم الكبير للطبراني ٦٣٦.
(٢) فتح الباري ٨/ ٥٨٠.
(٣) الإتقان ١/ ٩٣: ٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>