للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الوجه الثاني: قصة طلب الحواريين من عيسى - عليه السلام - أن ينزل عليهم ربهم مائدة من السماء ثابتة بالقرآن الكريم.]

قال تعالى: {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١١٢) قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (١١٣) قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١٤) قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (١١٥)} [المائدة: ١١٢ - ١١٥].

قال ابن كثير: هذه قصة المائدة، وإليها تنسب السورة فيقال: "سورة المائدة". وهي مما امتن الله به على عبده ورسوله عيسى - عليه السلام - لما أجاب دعاءه بنزولها، فأنزلها الله آية ودلالة معجزة باهرة وحجة قاطعة (١).

[الوجه الثالث: هل نزلت المائدة على عيسى - عليه السلام - والحواريين؟]

اختلف أهل العلم في نزول المائدة من عدمه، والجمهور على أنها نزلت لقوله تعالى: {إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ} [المائدة: ١١٥]، والله سبحانه لا يخلف الميعاد.

قال ابن جرير: بعدما ذكر اختلاف أهل التأويل في "المائدة"، هل أنزلت عليهم، أم لا؟ ، فإن الله - عز وجل - لا يخلف وعدَه، ولا يقع في خبره الْخُلف، وقد قال - تعالى ذكره - مخبرًا في كتابه عن إجابة نبيه عيسى - عليه السلام - حين سأله ما سأله من ذلك: {إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ}، وغير جائز أن يقول - تعالى ذكره -: {إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ}، ثم لا ينزلها؛ لأن ذلك منه - تعالى ذكره - خبر، ، ولا يكون منه خلاف ما يخبر، ولو جاز أن يقول: {إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ} ثم لا ينزلها عليهم، جاز أن يقول: {فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ


(١) تفسير ابن كثير (٣/ ٢٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>