قال ابن العربي: أما خروجهم إلى البصرة فصحيح لا إشكال فيه، ولكن لأي شيء خرجوا لم يصح فيه نقل ولا يوثق فيه بأحد؛ لأن الثقة لم ينقله وكلام المتعصب غير مقبول وقد دخل مع المتعصب من يريد الطعن في الإسلام واستنقاص الصحابة.
فيحتمل أنهم خرجوا خلعًا لعلي لأمر ظهر لهم وهو أنهم بايعوا لتسكين الثائرة وقاموا يطلبون الحق، ويحتمل أنهم خرجوا ليتمكنوا من قتلة عثمان، ويمكن أنهم خرجوا لينظروا في جمع طوائف المسلمين وضم تشردهم وردهم إلى قانون واحد حتى لا يضطربوا فيقتتلوا وهذا هو الصحيح لا شيء سواه بذلك وردت صحاح الأخبار، فأما الأقسام الأول فكلها باطلة وضعيفة:
أما بيعتهم كرهًا فباطل وقد بيناها، وأما خلعهم فباطل؛ لأن الخلع لا يكون إلا بنظر من الجميع فيمكن أن يولى واحد أو اثنان ولا يكون الخلع إلا بعد الإثبات والبيان.
وأما خروجهم في أمر قتلة عثمان فيضعف، لأن الأصل قبله تأليف الكلمة ويمكن أن يجتمع الأمران. ويروى أن تغيبهم قطعًا للشغب بين الناس فخرج طلحة والزبير وعائشة أم المؤمنين رضي اللَّه عنهم رجاء أن يرجع الناس إلى أمهم فيرعوا حرمة نبيهم واحتجوا عليها بقول اللَّه تعالى:{لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ}(النساء: ١١٤)، وقد خرج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في الصلح وأرسل فيه، فرجت المثوبة، واغتنمت الفرصة، وخرجت حتى بلغت الأقضية مقاديرها، وأحس بهم أهل البصرة فحرض من كان بها من المتألبين على عثمان الناس، وقالوا: اخرجوا إليهم حتى تروا ما جاءوا إليه فبعث عثمان بن حنيف حكيم بن جبلة فلقي طلحة والزبير بالزابوقة فقتل حكيم، ولو خرج مسلمًا مستسلمًا لا مدافعا (١) لما أصابه شيء، وأي خير كان له في المدافعة؟ وعن أي شيء كان يدافع وهم ما جاءوا مقاتلين ولا ولاة، وإنما ساعين في الصلح