للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَلَعَل بَعْضَ مَنْ يَبْلُغُهُ أَنْ يَكُونَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ". (١)

فلو رأى الصحابة - رضي الله عنهم - أو سمعوا منه شيئًا مما أجازه عليه بعض أهل العلم من قربه الصغائر - وحاشاه من ذلك - لما فاتهم نقل ذلك عنه ضمن ما نقلوه من أقواله، وأفعاله، وتقريراته، وصفاته.

ولكنهم - رضي الله عنهم - لم ينقلوا عنه شيئًا من ذلك - فيما علمنا - ولو رأوا منه شيئًا من ذلك أو علموه عنه لنقلوه إلينا، وعُلم عنهم لتوافر دواعي النقل عنه.

فالقول بعصمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جميع الذنوب كبيرها وصغيرها، سرها، وجهرها، عمدها وسهوها هوما ندين لله تعالى به؛ فقد كانت أقواله وأفعاله - صلى الله عليه وسلم - وأحواله كلها تشريعًا تقتضى المتابعة والاقتداء، إلا ما ورد الدليل فيها على أنه من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - أوما ورد الدليل فيه أنه ليس من جنس ما يشرع لهم التأسي به فيه إلا عند وجود السبب. (٢)

ولا يكون لأقواله وأفعاله - صلى الله عليه وسلم - ذلك الوصف التشريعي إلا بالقول بوجوب العصمة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الصغائر خلافًا لمن أجازها من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين. (٣) تمسكًا منهم بظواهر من القرآن الكريم، وبعض الأحاديث الصحاح التي ذكر فيها ما يشعر بوقوع الخطيئة من بعضهم، وسيأتي الجواب عن ذلك تفصيلًا ويكفي في الرد عليهم هنا إجمالًا ما سبق من شهادة القرآن الكريم والسيرة العطرة على عصمته - صلى الله عليه وسلم - من الصغائر.

سابعًا: بالنسبة لأحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - في أمور الدنيا.

فقد قسمها القاضي عياض إلى ثلاثة أنواع:


(١) البخاري (٥٥٥٠)، مسلم (١٦٧٩).
(٢) مثل حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "أُقِيمَتِ الصَّلاةُ، وَعُدِّلَتِ الصُّفُوفُ قِيَامًا، فَخَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَلمَّا قَامَ في مُصَلَّاهُ ذَكَرَ أَنهُ جُنُبٌ فَقَالَ لَنَا: "مَكَانَكُمْ". ثُمَّ رَجَعَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْنَا وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ، فكَبَّرَ فَصَلَّيْنَا مَعَهُ" البخاري (٢٧٥)، ومسلم (١١٠٦) فالصحابة - رضي الله عنهم - في هذا الموقف لم ينصرف واحد منهم يفعل فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، لعلمهم أن هذا ليس من جنس ما يشرع لهم التأسي به فيه، إلا عند وجوب السبب.
(٣) الشفا بتعريف حقوق المصطفى ٢/ ١٥٨، الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢/ ٢٤٥، البحر المحيط ٤/ ١٧١، جامع أحكام القرآن للقرطبي ١/ ٣٢١، وقد تقدم قولهم عند الحديث عن الأنبياء عمومًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>