للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بينهم اقتضى وجود شرائع مختلفة لهم تبعا لهذا التفاوت، حتى إذا بلغ العالم أوان نضجه واستوائه وربطت مدنيته بين أقطاره وشعوبه؛ جاء هذا الدين الحنيف ختامًا للأديان، ومتممًا للشرائع، وجامعا لعناصر الحيوية، ومصالح الإنسانية، ومرونة القواعد جمعا وَفَّق بين مطالب الروح والجسد، وآخى بين العلم والدين، ونظَّم علاقة الإنسان بالله وبالعالم كله من أفراد وأسر وجماعات وأمم وشعوب وحيوان ونبات وجماد مما جعله بحق دينًا عامًا خالدًا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

ثانيًا: حكمة نسخ الأحكام التكليفية في الشريعة الإسلامية:

الحكمة الأولى: رحمة المكلفين والتخفيف عنهم.

قال الشافعي: وأنزل عليهم الكتاب تبيانًا لكل شيء وهدى ورحمة، وفرض فيهم فرائض أثبتها وأخرى نسخها؛ رحمة لخلقه بالتخفيف عنهم، وبالتوسعة عليهم زيادة فيما ابتدأهم به من نعمه، وأثابهم على الانتهاء إلى ما أثبت عليهم جنته، والنجاة من عذابه فعمتهم رحمته فيما أثبت ونسخ فله الحمد على نعمه. (١)

الحكمة الثانية: حفظ مصالح العباد. (٢)

الحكمة الثالثة: التدرج في الأحكام على الأمة حتى لا تنفر ويسهل عليها تقبله.

كما حصل في الخمر فقد تدرج القرآن فيه على مراحل؛ أولاها: الإشارة إلى أنه ليس من الرزق الحسن، كما في قوله تعالى {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا. . .} [النحل: ٦٧]، والواو تقتضي المغايرة، ثم بيان أن فيه ضررًا وشرًا كبيرًا من غير التعرض لمنعه كما في قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا. .} [البقرة: ٢١٩]، ثم تحريمه في أوقات الصلاة كما في قوله سبحانه {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا


(١) الرسالة ١/ ١٠٦.
(٢) إرشاد الفحول ١٨٥، الأصول في علم الأصول لابن العثيمين ٤٤، مقدمات النسخ د/ أسامة محمد عبد العظيم ٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>