للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الوجه الأول: حجية خبر الآحاد، ووجوب العمل به، والرد على أدلة المنكرين]

وفي ذلك مسألتان:

الأولى: استدل الجمهور على حجية خبر الآحاد؛ بأدلة من الكتاب والسنة والإجماع والمعقول.

[أولا: أدلة القرآن الصريحة]

١ - قوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (التوبة: ١٢٢). والطائفة تقع على الواحد فما فوقه، فأخبر أن الطائفة تنذر قومهم إذا رجعوا إليهم، والإنذار: الإعلام بما يفيد العلم، وقوله: {لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} نظير قوله في آياته المتلوة والمشهودة: {وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}، {لعلهم يعقلون}، {لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ}، وهو سبحانه إنما يذكر ذلك فيما يحصل العلم، لا فيما لا يفيد العلم. (١)

وقال السرخسي: ولا يقال: الطائفة اسم للجماعة؛ لأن المتقدمين اختلفوا في تفسير الطائفة، فقال محمد بن كعب: اسم للواحد، وقال عطاء: اسم للاثنين، وقال الزهري: للثلاثة، وقال الحسن: للعشرة، فيكون هذا اتفاقًا منهم أن الاسم يحتمل أن يتناول كل واحد من هذه الأعداد، ولم يقل أحد بالزيادة على العشرة. (٢)

وقال أيضًا: (فلو لم يكن خبر الواحد حجة لوجوب العمل؛ لما وجب الإنذار بما سمع، ثم لما ثبت بالنص أنه مأمور بالإنذار؛ ثبت أنه يجب القبول منه؛ لأنه في هذا بمنزلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنه كان مأمورًا بالإنذار ثم كان قوله ملزمًا للسامعين، كيف وقد بين الله تعالى حكم القبول والعمل به في إشارة بقوله: {لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} أي: لكي يحذروا عن الرد والامتناع عن العمل بعد لزوم الحجة إياهم، كما قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ


(١) مختصر الصواعق المرسلة (٥٤٣).
(٢) أصول السرخسي (١/ ٣٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>