للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَدْرِي، فَمَا نَسِيتُ مِنْ مَقَالَةِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - تِلْكَ مِنْ شيء. (١) كما كان يعبر عنه بالحرص على ملازمة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وخدمته، حيث كان لا يدع فرصة لخدمته - صلى الله عليه وسلم - إلا اغتنمها، فمن ذلك أنه كان يحمل إداوة وضوئه - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد الوضوء، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ مَعَ النبي - صلى الله عليه وسلم - إِدَاوَةً لِوَضُؤئِهِ وَحَاجَتِهِ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَتْبَعُهُ بِهَا فَقَالَ: "مَنْ هَذَا". فَقَالَ: أَنَا أبو هُرَيْرَةَ. فَقَالَ: "أبغنى أَحْجَارًا أَسْتَنْفِضْ بِهَا، وَلَا تأتني بِعَظْمٍ وَلَا بِرَوْثَةٍ". فَأَتَيْتُهُ بِأَحْجَارٍ أَحْمِلُهَا فِي طَرَفِ ثَوْبِي، حَتَّى وَضَعْتُ إِلَى جَنْبِهِ ثُمَّ انْصَرَفْتُ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مَشَيْتُ، فَقُلْتُ مَا بَالُ الْعَظْمِ وَالرَّوْثَةِ قَالَ: "هُمَا مِنْ طَعَامِ الْجِنِّ، وَإِنَّهُ أَتَانِي وَفْدُ جِنِّ نَصِيبِينَ وَنِعْمَ الجنُّ، فَسَألونِي الزَّادَ، فَدَعَوْتُ الله لهُمْ أَنْ لَا يَمُرُّوا بِعَظْمٍ وَلَا بِرَوْثَةٍ إِلَّا وَجَدُوا عَلَيْهَا طَعَامًا" (٢).

فمنذ قدم - رضي الله عنه - مهاجرًا إليه - صلى الله عليه وسلم - سنة سبع من الهجرة، يدور معه في بيوت نسائه يخدمه، ويصلى خلفه، ويحج، ويغزو معه، فهذه الملازمة للنبي - صلى الله عليه وسلم - جعلته يحضر ما لا يحضرون، ويشهد ما لا يشهدون.

فهل ينكر على مثل هذا لجمعه للسنة، وحفظه لها. أعلم أنه لا ينكر إلا من سلب عقله أو اتبع هواه.

[الوجه الثاني: دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - له بعدم النسيان.]

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إني أَسْمَعُ مِنْكَ حَدِيثًا كَثيرًا أنسَاهُ. قَالَ: "ابْسُطْ رِدَاءَكَ" فَبَسَطْتُهُ قَالَ فَغَرَفَ بِيَدَيه ثُمَّ قَالَ: "ضُمُّهُ" فَضَمَمْتُهُ فَمَا نَسِيتُ شَيْئًا بَعْدَهُ. (٣) وعنه أيضًا أنه قال: إِنَّكُمْ تَقُوُلونَ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الحدِيثَ عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. وَتَقُوُلونَ مَا بَالُ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ لَا يُحَدِّثُونَ عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِنَّ إِخْوَتي مِنَ المُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمْ صَفْقٌ بِالأَسْوَاقِ، وَكُنْتُ ألزَمُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى مِلْءِ بَطْنِي، فَأَشْهَدُ إِذَا غَابوا وَأَحْفَظُ إِذَا نَسُوا، وَكَانَ يَشْغَلُ إِخْوَتِي مِنَ الأَنْصَارِ عَمَلُ أَمْوَالهِمْ، وَكُنْتُ امرأ مِسْكِينًا مِنْ مَسَاكِينِ الصُّفَّةِ أَعِي


(١) البخاري (٢٠٤٧)، مسلم (٢٤٩٣).
(٢) البخاري (٣٨٦٠).
(٣) البخاري (١١٩)، مسلم (٢٤٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>