للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن استجاز خلاف ما قلنا؛ فقوله يؤول إلى إبطال الشريعة كلها؛ لأنه لا فرق بين دعواه النسخ في آية ما أو حديث ما، وبين دعوى غيره النسخ في آية أخرى، وحديث آخر، فعلى هذا لا يصح شيء من القرآن والسنة، وهذا خروج عن الإسلام. وكل ما ثبت بيقين فلا يبطل بالظنون، ولا يجوز أن تسقط طاعة أمر أمرنا به الله تعالى ورسوله إلا بيقين نسخ لا شك فيه (١).

قال الزركشي: قال الأئمة ولا يجوز لأحد أن يفسر كتاب الله إلا بعد أن يعرف منه الناسخ والمنسوخ (٢).

[المبحث الرابع: الحكمة من النسخ.]

أولًا: حكمة نسخ الشرائع السابقة بشريعة النبي - صلى الله عليه وسلم -:

الحكمة الأولى: أن الأعمال البدنية إذا واظبوا عليها خلفًا عن سلف صارت كالعادة عند الخلق، وظنوا أن أعيانها مطلوبة لذاتها، ومنعهم ذلك من الوصول إلى المقصود، وهو معرفة الله وتمجيده، فإذا غُيِّر ذلك الطريق إلى نوع من الأنواع، وتبين أن المقصود من هذه الأعمال رعاية أحوال القلب والأرواح في المعرفة والمحبة انقطعت الأوهام عن الاشتغال عن تلك الصور والظواهر إلى علام السرائر.

الحكمة الثانية: أن الخلق طُبعوا على الملالة من الشيء، فوضع في كل عصر شريعة جديدة؛ لينشطوا في أدائها.

الحكمة الرابعة: بيان شرف نبينا - صلى الله عليه وسلم -، فإنه نسخ بشريعته شرائعهم، وشريعته لا ناسخ لها.

الحكمة الرابعة: أن النوع الإنساني يتقلب كما يتقلب الطفل في أدوار مختلفة، ولكل دور من هذه الأدوار حال تناسبه غير الحال التي تناسب دورًا غيره. فالبشر أول عهدهم بالوجود كانوا كالوليد أول عهده بالوجود سذاجة وبساطة وضعفًا وجهالةً ثم أخذوا يتحولون من هذا العهد رويدًا رويدًا، ومروا في هذا التحول أو مرت عليهم أعراض متباينة من ضآلة العقل وعماية الجهل وطيش الشباب وغشم القوة على تفاوت في ذلك


(١) الإحكام لابن حزم ٤/ ٤٨٤.
(٢) البرهان في علوم القرآن ٢/ ٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>