للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في بطنها، وقد قال له عثمان وعبد الرحمن بن عوف: إنما أنت مؤدب لا نرى عليك شيئًا، إن كانا قد اجتهدا فقد أخطأ، وإن لم يجتهدا فقد غشَّاك، أرى عليك الدية. ومن ذلك ما روي عن ابن مسعود أنه قال في المفوضة: أقول فيها برأيي فإن كان صوابًا فمن الله ورسوله، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان، ومن ذلك ما روي أن عليًا وابن مسعود وزيدًا - رضي الله عنهم - خطئوا ابن عباس في ترك القول بالعول، وأنكر عليهم ابن عباس قولهم بالعول، بقوله: من شاء أن يباهلني باهلته، إن الذي أحصى رمل عالج عددًا لم يجعل في مال واحد نصفًا ونصفًا وثلثًا، هذان نصفان ذهبا بالمال فأين موضع الثلث؟ . ومن ذلك ما روي عن ابن عباس أنه قال: ألا يتقي الله زيد بن ثابت يجعل ابن الابن ابنًا، ولا يجعل أبا الأب أبًا. إلى غير ذلك من الوقائع ولم ينكر بعضهم على بعض في التخطئة فكان ذلك إجماعًا على أن الحق من أقاويلهم ليس إلا واحدًا. (١)

الوجه الخامس: يحتمل أن يكون ذلك كان في القراءة الأولى ثم نسخت تلاوته يعني: ولم يطلع ابن عباس على ذلك. (٢)

وهو من القراءات التي نسخت وتركت، ولعل القارئ بها لم يطلع على ذلك؛ لأن جميع الصحابة - رضي الله عنهم - أجمعوا على كتابة: تستأنسوا في جميع نسخ المصحف العثماني، وعلى تلاوتها بلفظ: تستأنسوا، ومضى على ذلك إجماع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها في مصاحفهم وتلاوتهم من غير نكير. والقرآن العظيم تولى الله تعالى حفظه من التبديل والتغيير، كما قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: ٩] وقال فيه {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: ٤٢]. وقال تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة: ١٦, ١٧] (٣).

الثانية: مما روي عن ابن عباس أيضًا أنه قرأ "أفلم يتبين الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا". فقيل له: إنها في المصحف {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا} فقال: أظن


(١) الإحكام في أصول القرآن ١/ ٤٢٤.
(٢) فتح الباري لابن حجر ١١/ ٩ نقلًا عن البيهقي.
(٣) أضواء البيان للشنقيطي ٥/ ٤٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>